دعم الحريري لـ"عون".. خطوة ذكية أم نهاية لتيار المستقبل؟
رغم محاولة البعض في تيار "المستقبل" الإيحاء بأن دعم الحريري لميشيل عون التفاف ذكي على "حزب الله"، فالبعض يراها وصاية إيرانية.
حصل ما كان متوقعاً ورشح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية.. العارفون بخبايا السياسة اللبنانية، يدركون جيداً أن التسويق لعون ضمن الشارع المؤيد لتيار "المستقبل" - أغلبيته من الطائفة السنية - دونه عقبات كثيرة وكبيرة، خصوصاً أن الأزمة بين هذا الشارع وعون، تعود إلى بدايات ظهور اسم عون خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
منذ أن خاض عون حروبه الشهيرة مع نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، بدا واضحاً أن جزءاً كبيراً من أهالي بيروت، يحملون الجنرال السابق للجيش، مسوؤلية قسم "الغربية" كما كانت تعرف سابقاً. يومها بدأت العلاقة بالتوتر، خصوصاً أن الشارع في بيروت لم يمكن يوماً في الصف السوري، بل كان يحمله مسوؤلية اغتيال أكثر من زعيم سني، وأبرزهم مفتي الجمهورية السابق الشيخ حسن خالد.
استمرت العلاقة متأزمة بين هذا الشارع وعون، حتى بعد عودته إلى لبنان، ضمن تحالف 14 آذار. أشهر العسل القليلة التي تلت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري لم تدم طويلاً، مع انسحاب عون من تحالف "14 آذار"، وتحالفه مع "حزب الله"، بعد توقيع ما عرف يومها بورقة التفاهم مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
تراكم الكره بين شارع "المستقبل" وعون طول العقد المنصرم، خصوصاً أن عون لم يوفر مناسبة من دون أن يطلق فيها هجوماً عنيفاً، بعد أن تموضع في خانة الحليف لـ"حزب الله" وإيران والنظام السوري، ولم يستثنِ حتى الأموات، من رفيق الحريري، إلى رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن.
ينظر الشارع المؤيد لتيار "المستقبل" إلى عون يوصفه حصان طروادة، عاد إلى لبنان على دم رفيق الحريري، وقدم كل ما يلزم من غطاء للمحور السوري – الإيراني في لبنان، لتكريس سيطرته، خصوصاً أن ذلك ترافق مع خطوات عملية لاسيما إسقاط حكومة سعد الحريري الأخيرة من الرابية بعد استقالة وزراء فريق 8 آذار في العام 2011، فيما كان الحريري في الولايات المتحدة الأمريكية، يستعد للقاء الرئيس باراك أوباما. نظر الشارع السني وقتها إلى هذه الخطوة بوصفها محالة لإزلال موقع رئاسة الحكومة، وتلى ذلك أيضاَ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة، واستبعاد الحريري، ما ولد حالة غضب عارمة، وحالة عداء لا يمكن أن تزال مخلفاتها في ليلة وضحاها.
منذ أن أعلن الحريري تأييد عون، في محاولة لتجنيب البلد مخاطر الانزلاق أمنياً، أو انهيار الدولة ومؤسساتها، لم يستسغ الشارع هذه الخطوة. يقول أكثر من قيادي بارز في التيار أن الرفض لعون يطال أيضاً أغلب الكوادر السياسية في التيار، إضافة إلى أغلبية الشارع المؤيد، نظراً إلى كل ما رافق السنوات الأخيرة من عداء.
وعلى الرغم من هذا الرفض الواضح، والذي عبر عنه كثر عبر وسائل الإعلام المحلية، وعبر مواقع التواصل الإجتماعية، إلا أن ثمة فهم ضمني لخطوة الحريري، وذلك عبر إسباغ المسببات التي أملت عليه هذا الخيار، ولعل أهمها انسداد الأفق السياسي في البلاد منذ العام 2014 تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
إدراك "المستقبل" لصعوبة تسويق فكرة تأييد عون في الشارع السني، وفي صفوف "المستقبل"، دفع "التيار" إلى تكثيف اتصالاته ومشاوراته الداخلية، من أجل شرح الموقف، ومحاولة التأكيد للشارع أن ما دفع الحريري إلى هذه الخطوة لم يكن سوى محاولة لحماية البلد، وخصوصاً المناطق السنية، التي ستكون أولى ضحايا استمرار الوضع على ما هو عليه، أو تطوره دراماتيكياً على النحو الذي يحصل في سوريا أو العراق أو اليمن.
وعلمت بوابة العين أن الحريري يعقد لقاءات شبه يومية مع نوات كتلة "المستقبل" لشرح الموقف، إضافة إلى قيادات "التيار" في المناطق، من أجل التواصل مع القواعد الشعبية، خصوصاً أن الجلسة المقبلة ستشهد حكماً تطورات بالغة الدقة عل صعيد انتخاب الرئيس، على الرغم من عملية خلط الأوراق، التي أعادت فرز الطبقة السياسية، وأكدت انهيار التحالفات السابقة، أي 14 و8 آذار، خصوصاً مع تولى رئيس مجلس النواب نبيه بري قيادة الفريق المعارض لإنتخاب عون.
وفي هذا الإطار يقول عضو كتلة "المستقبل" النائب خضر حبيب لـ"العين"، إن جزءاً من شارع تيار "المستقبل" يرفض انتخاب عون، وهو ما تدركه القيادة جيداً، ولذلك تعمل على شرح هذا الموقف، خصوصاً أنه الخيار الوحيد المتبقي أمامنا لحماية البلد، في ظل ما يحصل حولنا من أزمات وصراعات وحروب.
ويؤكد حبيب أن الشارع على الرغم من معارضته لخيار عون إلا أنه مع الرئيس الحريري، وأثبتت الأيام الأخيرة أنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة، وبثقة الشارع الذي يدرك حجم الأزمة التي يمر بها لبنان. ويضيف: لقد اختار الرئيس الحريري حماية البلد، على حسابه شخصياً، وهو موقف شجاع وجريء، يؤكد انه رجل دولة من العيار الثقيل، خصوصاً أنه عودنا على مثل هذه المواقف، منذ أن أعلن من لاهاي، فصل المسار القضائي للمحكمة عن الشأن السياسي الداخلي، سامحاً بذلك بتأليف حكومة الرئيس تمام سلام، وتجنيب البلد تجرع كأس الأزمة السورية.
المبررات التي يتحدث عنها حبيب، كان الحريري قد أكدها أمام من إلتقاهم منذ ما قبل إعلان ترشيح عون. ووضع قيادة "المستقبل" أمام 3 خيارات، أولها بقاء الوضع على ما هو عليه، وتحمل تبعات هذه المراوحة التي قد تنقلب في أي لحظة إلى إنزلاق أمني، وثانيها خيار المواجهة الشاملة والمفتوحة والتي لا يملك تيار "المستقبل" مقوماتها، وثالثها الوصول إلى تفاهم مع عون على الحد الأدنى، خصوصاً فيما يتعلق بالطائف، وبعمل مؤسسات الدولة، وهو الخيار الذي رأى كثر أنه الوحيد الصالح والذي يجنب البلد الدم.
وعلى الرغم من كل المسببات التي يتحدث عنها الحريري وفريقه، إلا أن ثمة من يضيف إليها الواقع المالي لتيار "المستقبل"، بسبب الأزمة التي مر بها الحريري. اذ يتردد على نطاق واسع في الأروقة اللبنانية أن الاتفاق بين التيار العوني وتيار المستقبل وعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، قد يشكل عنواناً لخروج الحريري من أزمته، خصوصاً أن ثمة من يتحدث عن شراكة بينهما تتعلق بالنفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، وهو ما دفع بري الذي لم يكن جزءاً من هذا الاتفاق إلى التصعيد، وإعلان رفضه لانتخاب عون، ووقوفه في صف المعارضة.
وعلى الرغم من محاولة البعض في تيار "المستقبل" الإيحاء بأن خطوة الحريري إلتفاف ذكي على التطورات في المنطقة وعلى "حزب الله"، إلا أن ثمة خطاب آخر ضمن تيار "المستقبل" وخارجه، وخصوصاً لدى الوزير أشرف ريفي ومنسق الأمانة العامة لقوى "14 آذار" النائب فارس سعيد، يتحدث عن مرحلة جديدة دخلها لبنان، تحت مسمى مرحلة الوصاية الإيرانية.