«ذهبت إلى غزة وعدت».. قصة فنانة إسرائيلية تنبأت بأحداث السابع من أكتوبر

في متحف تل أبيب للفنون وضعت الفنانة الإسرائيلية تال مزلياح «زخارف الحرب» عنوانا لمعرضها، تزامنًا مع ذكرى حرب غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومرّ عليها عامان من الصراع والدمار.
يستعيد المعرض تجربة الفنانة الشخصية خلال الهجوم الذي شنّته حركة حماس على مسقط رأسها، حيث وُلدت مزلياح في كيبوتس كفار عزة، ونشأت على الحدود الجنوبية، فانعكست سنوات الصراع الطويلة في أعمالها منذ أكثر من ربع قرن. ومع اندلاع الهجوم في السابع من أكتوبر، احتمت في الغرفة الآمنة بمنزلها، التي تستخدمها أيضاً كمرسم، تسمع أصوات الخارج من دون أن تقدر على المغادرة، حتى تم إنقاذها في نهاية المطاف.
في الأسابيع التالية، وبعد إجلائها من المنطقة، أقامت مزلياح لدى عائلة روم في كفار هأورانيم، ثم انتقلت إلى التجمع السكني «ماتان» في منطقة الشارون الجنوبية، حيث تعيش عائلة شقيقها. ووسط حالة من الاضطراب النفسي، قررت العودة إلى الرسم بوصفه وسيلتها الوحيدة للتماسك، فاشترت خامات بسيطة من متجر محلي — قماشاً وألواناً أكريليك — بدلاً من أدواتها المعتادة المتمثلة في الألوان الزيتية والألواح الخشبية. ومن هناك بدأت إنتاج لوحات صغيرة الحجم، متخمة بالتفاصيل والألوان التي تعبّر عمّا رأته وما لا يغادر ذاكرتها.
تتسم أعمال السلسلة بكثافة التفاصيل والتعبير المزدحم بالنصوص. فمزلياح تدمج الكتابة داخل لوحاتها كتيار وعي يتأرجح بين الذكرى والهلوسة — كلمات وجمل قصيرة مثل: "لقد وصلوا… لقد وصلوا"، أو "لا أتعرف على الأصوات". أما إحدى اللوحات فتقول: "كان لي بيت" وقد أصدر المتحف كتيبات تضم ترجمات للنصوص باللغات العبرية والعربية والإنجليزية ليتسنى للزائرين قراءتها بوضوح.
تمتلئ لوحات «زخارف الحرب» بإحساس دائم بالقلق وعدم السكون. تدعو مزلياح المشاهد إلى الغوص في عالمها الرمزي، حيث تتجاور الكلمات مع الصور داخل تركيبات معقدة. تعتمد الفنانة تقنية خاصة ابتكرتها لنفسها: ضربات فرشاة قصيرة ومتكررة تُحدث إيقاعات متذبذبة، وتخفي بين طبقاتها عبارات تبدو كأنها مفاتيح لفهم العمل. في اللوحة الأولى من السلسلة، تكتب الجملة المتكررة: «لكنني نجوت»، بينما تتداخل خلفها ألوان الأصفر والأحمر والأسود، وتظهر عبارة «7 أكتوبر» عمودياً في عمق الأرض، المرسومة على هيئة مثلثين متقابلين عند رأسيهما.
أما الشخصيات في لوحاتها، فهي بلا ملامح محددة أو جنس واضح، وتظهر في أوضاع متعددة: مستلقية بوجه مغطّى، أو جالسة متأملة، أو واقفة متحدّية ترفع إصبعها الأوسط. هذه الأجساد الغريبة تمثل بالنسبة إلى مزلياح انعكاساً لذاتها، ورمزاً للتمرّد على مفاهيم الجمال والهوية السائدة. وبذلك تصوغ مشاهد مألوفة وغامضة في آن واحد — مشاهد يصعب النظر إليها، لكنها تبقى آسرة للنظر والتأمل.
توضح مزلياح في أحد كتالوجاتها السابقة أنها تجد في ازدحام الخطوط والوجوه والكلمات وسيلة للحماية، إذ تقول: "كلما زادت التفاصيل، قلّ ما يُرى… كأنني أختبئ داخلها." وبرغم أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ظل حاضرًا في أعمالها لأكثر من عقدين، فإن هذه المرة مختلفة؛ فبدلًا من رسم احتمالات الخطر، توثّق ما عاشته فعليًا.
في مراحل سابقة، عالجت الفنانة موضوعات الحرب بأساليب رمزية، مستخدمة ألوان العلمين الفلسطيني والإسرائيلي، أو صور الجدران الفاصلة والأسلحة. وفي عام 2009 رسمت صورتين ذاتيتين تتخذ فيهما وضعيات دفاعية، وقد كُتب على ملابسها: "سأكون مستعدة" وعلى حزامها المطاطي تكررت عبارة: "ذهبت إلى غزة وعدت" واليوم، بعد أحداث السابع من أكتوبر، تبدو تلك الكلمات أشبه بنبوءة.
ويحمل المعرض بعدًا رمزيًا إضافيًا لوجوده في موقع شهد بدوره تحولات. فالساحة المقابلة للمتحف تحولت منذ عامين إلى ما يُعرف بـ ساحة الرهائن، حيث تجتمع عائلات المحتجزين في غزة والمتضامنون معهم في وقفات وفعاليات فنية. واستجابة لذلك، أعاد المتحف تنظيم معارضه وبرامجه الفنية بما يعكس هذا الواقع الإنساني والسياسي المتشابك.
تقول مديرة المتحف تانيا كوين أوزييلي إن المؤسسة تعاونت خلال العامين الماضيين مع منتدى عائلات الأسرى والمفقودين، واستضافت معارض تناولت الصراع من زوايا متعددة، مثل في المجهول وآمال محطمة وطرق لم تُسلك، إضافة إلى أعمال تركيبية لفنانين إسرائيليين وعرب.
وتختتم أوزييلي حديثها بكلمات استلهمتها من خطاب ألقاه جون بولين، والد الرهينة الإسرائيلي الأمريكي الراحل هيرش غولدبرغ بولين، في المؤتمر الوطني الديمقراطي بمدينة شيكاغو في أغسطس/آب الماضي، قائلًا: "في منافسة الألم، لا يوجد منتصرون." وتضيف: "هذا هو جوهر رسالتنا هنا، نحن نعرض ألمًا واحدًا، يمتد صداه إلى ما هو أبعد من لوحات تال مزلياح."