الناجون من الزلزال.. "خارطة طريق" للتعافي من الصدمة (خاص)
بينما كان ملايين الأتراك والسوريين يغطون في نوم عميق بفعل الشتاء القارس، وجدوا أنفسهم فجأة إما تحت الأنقاض، أو صعدت أرواحهم إلى بارئها.
لحظات الزلزال، ورغم سرعة مرورها، ما زال العالم يعاين الأضرار الناجمة عنها، فالزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير/ شباط الجاري، أحدث أضرارًا مادية فادحة، وخسائر بشرية بعشرات الآلاف ما بين قتلى ومصابين، فضلا عن المفقودين تحت الأنقاض.
وتجاوز عدد القتلى في تركيا وسوريا 41 ألفا بعدما دمر الزلزال وتوابعه مدنا بأكملها في كلا البلدين تاركا الناجين بلا مأوى في برد قارس، ويكافح كثيرون منهم للعثور على مكان للمبيت ومرافق صرف صحي.
وشارك الآلاف من عناصر الإنقاذ في انتشال العالقين من تحت الأنقاض في تركيا وسوريا، وأثمرت هذه الجهود عن إنقاذ مئات العالقين، وتلقيهم للرعاية الصحية المطلوبة، لكن يظل السؤال المحير في هذه العملية، كيف تكون نفسية هذا الناجي بعد ما تعرض له؟ خاصةً إذا كان قد فقد أحد أفراد أسرته بفعل الزلزال، بخلاف منزله الذي تحول إلى أطلال.
معاناة الناجين من الزلزال
في البداية، يوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي في مصر، أن الفترة الأولى التي تعقب وقوع الزلزال، تعتبر مرحلة يعاني فيها الناجي من صدمة، بحيث يكون غير واع للخسائر التي تكبدها كانهيار منزله أو فقدان أفراد أسرته، وهو ما يختلف من شخص إلى آخر.
وأضاف "فرويز"، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "حالة الشخص تختلف تبعا للخسائر الشخصية، فمن فقد منزله فقط غير من خسر منزله وأحد المقربين، والذي بدوره يدخل في حالة اكتئاب تفاعلي".
وتابع أن "البعض قد يكون له تاريخ مرضي جيني، وتظهر عليهم بعد فترة أقل من 6 أشهر أعراض ما بعد الصدمة، وهذا في حال تعرضه لأي هزة أو صوت عال، وهي حالة معروفة باسم (استعادة الذكريات السيئة)".
ونوه "فرويز" بأن هذه الحالة تجعل المريض يعاني من صداع شديد، وتلعثم، ورعشة في الأطراف، وزيادة ضربات القلب، وآلام القولون، والعرق الشديد لدى البعض، والتبول لا إراديًا، بخلاف الأحلام والكوابيس.
من جهته، أوضح الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي في مصر، أن الناجي من الزلزال يعاني من مرض انتشر بكثرة وسط الجنود في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو معروف باسم "اضطراب كرب ما بعد الصدمة".
وفسر "د.مجدي"، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، هذا المرض قائلا إن "يصيب الشخص حينما يتعرض لواقعة أليمة وشديدة، سواءً كانت كارثة طبيعية أو جريمة قتل، أو حادث سير.
ونتيجة الإصابة بهذا الاضطراب، يعاني الناجي من الكوابيس، والإنكار، وفقدان ذاكرة مؤقت، وخرس هستيري، وفقدان الصوت، والعمى الهستيري، والانعزال، والخوف من المواجهة، وقد يصل الحال إلى رغبته في التخلص من حياته، لعدم قدرته على التفاعل.
ما سبق، أكد عليه الدكتور أحمد الباسوسي، استشاري العلاج النفسي، قائلًا، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الناجين من الزلازل يعانون من حالة هلع شديدة، ورعب غير محتمل يقود إلى اضطراب ما بعد الكرب.
ولفت الباسوسي إلى أعراض هذا الاضطراب قائلا: "تنشط أعراض نفسية مثل الخوف والرعب، وظهور أفكار سلبية، واضطرابات نفسية، واكتئاب، ولا يستطيع الشخص التفاعل مع المحيطين".
طرق العلاج
اعتبر الدكتور جمال فرويز، أن الخطوة الأولى في تأهيل الناجين من الزلازل المدمرة، تتمثل في توفير أساسيات الحياة لهم، من مأكل ومشرب وملبس، ثم نشعرهم بالتعاطف والتضامن معهم كما حدث من دعم دولي مؤخرًا.
وتابع: "حتى 6 أشهر من بعد الواقعة، لو حدثت تغيرات مزاجية حادة أو تغيرات سلوكية تؤثر على الأكل والنوم، يخضع الشخص لعلاج نفسي، يتضمن مضادات الاكتئاب وأدوية تساعده على النوم، طبقًا لحالة المريض".
من جانبه نوه الدكتور إبراهيم مجدي بأن المريض يخضع للتهدئة أولًا، ثم يبدأ علاجًا سلوكيًا ومعرفيًا، بحيث يحكي ما تعرض له إلى أن يعتاد على رواية ذلك أثناء انشغاله في عمل أمر ما.
التعامل مع المريض يختلف باختلاف المراحل العمرية، بحسب "د.مجدي"، فالطفل يجب إخراجه من البيئة التي عانى فيها من الكارثة، من خلال منع تعرضه للأخبار الخاصة بالحادث عبر شاشات التلفزيون، أما البالغ فيجب أن يواجه الموقف بعد تهدئته، وأن يشعر بتعاطف من حوله.
واستطرد: "لاحقًا يخضع الناجي من الزلزال لعلاج دوائي متعدد، يتضمن مضادات الاكتئاب، وأدوية أخرى تساعده على تقليل حدة الأعراض".
فيما ذكر الدكتور أحمد الباسوسي، أن المريض يكون في حاجة إلى استعادة الهدوء والاطمئنان، من خلال خضوعه لإجراءات نفسية تزيد الثقة في نفسه، مع دعمه نفسيًا حتى يتجاوز المحنة.
aXA6IDE4LjExOS4xNjIuMjI2IA== جزيرة ام اند امز