التجربة تؤكد أن مهاراتنا البصرية التي كانت محدودة قياسا إلى ثراء مخيلاتنا وخصوبتها أصبحت تزداد على حساب الثانية
قبل عقود قليلة، بل ربما قبل سنوات، كنا حين نحتاج إلى معلومة معينة ليست متاحة نقوم ببحث وتقصٍ، فنرجع إلى كتب ومراجع، أو نلجأ إلى من نعتقد أنهم قد يفيدوننا في معرفة تلك المعلومة. اليوم لم نعد نفعل ذلك. نهرع إلى "العم جوجل" ونضع في الخانة المخصصة مفتاح المعلومة التي نريد، ليتولى هو، بالنيابة عنا، تزويدنا بها.
استخدامنا عقولنا في مهامنا اليومية يتناقص، وعلى ذلك تترتب عواقب ستزداد بمرور الزمن، لكن مقدّماتها وإرهاصاتها بدأت في الظهور، فالتكنولوجيا، إذ تفكّر بالنيابة عنا، تضعف قدراتنا على التفكير النقدي، وتقلل من مهاراتنا التحليليةوكنا حين نريد جمع أو طرح أو قسمة رقم من الأرقام نستعين بما تعلّمناه في المدارس أو الجامعات من مهارات في الحساب والرياضيات لحلّ المسألة، لقد كففنا عن فعل ذلك اليوم، كبسة على التطبيق الخاص بالحساب على هواتفنا النقالة تعطينا الجواب الفوري عما نحتاج إليه أو نسأل عنه.
أدمغتنا ما زالت في مكانها داخل رؤوسنا، وستظل هناك إلى ما شاء الله، لكنها مع مرور الوقت تفقد الكثير من المهارات التي كنا ندرّبها عليها أو تدرّبنا هي عليها، ونفقد نحن الحاجة في الاستعانة بهذه الأدمغة لحل ما نريد حله من مسائل أو بلوغ ما نرغب فيه من معلومات. ثمة عقول خفيّة، غير مرئية، في حواسيبنا أو هواتفنا الذكية تصادر الذكاء من عقولنا، وتُحوّلنا إلى مجرد مستخدمين لما تيسّره من معلومات.
التجربة تؤكد أيضاً أن مهاراتنا البصرية التي كانت محدودة قياساً إلى ثراء مخيلاتنا وخصوبتها أصبحت تزداد على حساب الثانية. حين يقرأ الواحد منا رواية من الروايات فإنه يطلق العنان لمخيلته في تصوّر الشخوص التي تتحرك على صفحات الروايات، وتخيّل الأمكنة التي تدور فيها الأحداث، ربما في أزمنة غابرة لم نعشها، ولكن ما الذي يمكننا تخيّله حين نشاهد فيلماً على التلفاز أو على شاشة السينما؟ كل شيء يتحرك أمام ناظرينا، لا مكان هنا للتخيّل، فالبصر هو من يتكفل بإيصال المعنى.
استدراك لا بدّ منه هنا.. نحن لا نهجو السينما بقولنا هذا، فهي بدورها تأخذنا إلى عوالم جميلة، لعلّها العوالم التي كانت في مخيّلة كاتب الفيلم ومخرجه، قبل أن يحوّلاها إلى صور تتحرك أمامنا على الشاشة.
استخدامنا عقولنا في مهامنا اليومية يتناقص. وعلى ذلك تترتب عواقب ستزداد بمرور الزمن، لكن مقدّماتها وإرهاصاتها بدأت في الظهور، فالتكنولوجيا، إذ تفكّر بالنيابة عنا، تضعف قدراتنا على التفكير النقدي، وتقلل من مهاراتنا التحليلية، لأننا، من حيث لا نريد، ندفع بعقولنا نحو النوم، حين لا نوكل إليها المهام التي كنا نستخدمها من أجلها، فتصبح مجرد عقولٍ مع وقف التنفيذ.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة