مسؤول سابق يكشف لـ«العين الإخبارية» حلولا لاستدامة الكهرباء في مصر
شهد قطاع الكهرباء في الفترة الأخيرة العديد من التحديات، تنوعت بين زيادة الاستهلاك وأزمات في التوزيع، وتزايد حالات سرقة الكهرباء.
وامتدت هذه التحديات إلى أزمة تخفيف الأحمال، حيث اتخذت الحكومة إجراءات طارئة لتقليل الاستهلاك الكهربائي في ظل الطلب الزائد.
وكشف الدكتور حافظ سلماوي، رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك الأسبق، عن المعايير التي تحدد الأولوية في توزيع التيار الكهربائي، وكيف تتم تحديد الأولوية خلال الأزمات، بالإضافة إلى الإجراءات التي تتخذها الحكومة لضمان استمرارية تشغيل المحطات الكهربائية في حالة الأزمات.
كما تحدث، في حواره مع "العين الإخبارية"، عن كيفية تحديد تعريفة الكهرباء، وما العوامل التي تؤثر في هذا القرار؟
وتطرق رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك الأسبق لخسائر الدولة من سرقة التيار الكهربائي، وتابع موضحا كيف يمكن القضاء بشكل جذري على أزمة تخفيف الأحمال وعدم تكرار سيناريو انقطاع الكهرباء مجدداً.
وإلى نص الحوار:
- كيف يتم تحديد تعريفة الكهرباء؟ وما العوامل التي تؤثر في هذا القرار؟
تحديد تعريفة الكهرباء يعتمد بشكل كبير على الأداء والمعايير التي يحددها جهاز تنظيم مرفق الكهرباء.
ويعتبر هذا الجهاز المسؤول عن إصدار تقرير يُعرف بـ"تقرير تكلفة الخدمة"، الذي يحسب فيه جميع عناصر الخدمة بناءً على أداء مناسب ووفق الممارسات والمعايير المحددة.
وبالإضافة إلى ذلك يصدر الجهاز تقريرا آخر يعرف بـ"قدرة المستهلكين على التداعي"، الذي يستند إلى تقرير يصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ويتم إجراء هذا التقرير كل عامين على عينة تتكون من 25 ألف أسرة، حيث يتم تحديد عناصر الفقر وتوزيع إنفاق المستهلكين بينها.
ويشمل التقرير دراسة مقارنة بين الدول التابعة لمصر في معدل الناتج القومي للفرد ومعدل استهلاك الكهرباء للفرد.
وبناءً على هذه الدراسات يحدد الجهاز النسبة المناسبة لإنفاق المستهلك على الكهرباء، وتوصل الجهاز إلى أن 4% من إنفاق المستهلك على الكهرباء هو رقم مناسب.
ويتم بناءً على ذلك تحديد أقصى مبلغ يمكن للمستهلك تحمله دون اللجوء إلى السرقة، حيث يكون تعيين الرسوم بما يتناسب مع قدرة المستهلك على السداد أمراً حيوياً لمنع السرقة.
- ما المعايير التي تحدد الأولوية في توزيع التيار الكهربائي؟ وكيف تتم تحديد الأولوية خلال الأزمات؟
في نظام توزيع الكهرباء يوجد كود يحدد أولويات التوزيع بناءً على أنواع الأحمال المختلفة.
ويعتبر هناك تصنيف للأحمال يقسمها إلى أحمال درجة أولى وأحمال درجة ثانية وأحمال درجة ثالثة، بناءً على الأهمية والضرورة.
الأحمال درجة أولى تشمل الأحمال المرتبطة بالمرافق العامة مثل المياه والصرف الصحي، وأقسام الشرطة، والصناعة، وأي نشاط اقتصادي يسهم في الناتج القومي، هذه الأحمال تحظى بأولوية في التوزيع لضمان استمرارية الخدمات الأساسية والاقتصادية.
أما الأحمال درجة ثانية فتشمل المحلات التجارية التي ترتبط بالأنشطة الاقتصادية، وتعامل معها يتم بحذر لتجنب التأثير السلبي على النشاط التجاري.
بينما تعتبر الأحمال درجة ثالثة هي الأحمال المنزلية، وفي حال وجود عجز في الإمداد يتم التخفيض في هذه الأحمال كآخر إجراء للحفاظ على استقرار النظام الكهربائي.
وعلى سبيل المثال، خلال الأزمات السابقة، تم تقديم تخفيضات في الأحمال المنزلية للحفاظ على استدامة الناتج القومي والوضع الاقتصادي بشكل عام، دون التأثير سلباً على الأحمال الأساسية والتجارية.
وبهذا الشكل يعمل الكود على تحديد أولويات التوزيع بطريقة تضمن استدامة النظام الكهربائي وتلبية احتياجات القطاعات بشكل مناسب وفعّال.
- كم تبلغ خسائر الدولة من سرقة التيار الكهربائي؟
على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة تتساوى في هذا السياق، فإن التقديرات الحالية تشير إلى وجود فقْدٍ يصل إلى نحو 21% في بعض الأنظمة.
ويتكون هذا الفقْد من عدة عوامل، منها خسائر الطاقة نتيجة المقاومة في الأسلاك والمحولات، وأيضا الفقد التجاري الناتج عن السرقة أو الاستخدام غير المشروع للطاقة.
يعتبر الفقد في شبكات التوزيع أمرا لا يمكن تجنبه بالكامل، ولكن يمكن إدارته بفاعلية، يتكون هذا الفقد من جزئين رئيسيين: الفني والتجاري، الجزء الفني يشمل خسائر الطاقة التي تحدث نتيجة مقاومة الأسلاك والمحولات في أثناء نقل الكهرباء، ويتراوح عادة بين ٦ إلى ٨% حسب حالة الشبكة، بينما يعكس الفقد التجاري الخسائر المرتبطة بعوامل مثل السرقة أو التلاعب غير المشروع بالطاقة، وغالبًا ما يزيد في المدن ويقل في المناطق الريفية، إذ تكون كثافة السكان أقل.
- ما الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة لضمان استمرارية تشغيل المحطات الكهربائية في حال الأزمات؟
هناك ثلاثة إجراءات رئيسية يتعين اتخاذها تتمثل في:
الإجراء الأول يتعلق بالتفاوض مع الشركاء الأجانب لجدولة المديونية المتراكمة، فهذه المديونية تعيق الشركاء الأجانب عن تكثيف الإنتاج من الحقول الحالية في مصر.
وبالتالي من المهم إيجاد حلول مالية مستدامة تسمح بتخفيف هذه المديونية وتشجيع الشركات على زيادة الإنتاج الطاقوي.
الإجراء الثاني يتمثل في بناء تخزين استراتيجي للغاز، وهذا يعني الاستفادة من إحدى آبار الغاز لتخزين مورد الطاقة الحيوي في الفترات التي ينخفض فيها سعر الغاز في السوق، وهذا الإجراء يهدف إلى استخدام الغاز المخزن في الفترات الأخرى، مما يتيح للبلاد تفادي الاعتماد على الاستيراد بأسعار مرتفعة في حالات الطوارئ أو الأزمات.
ومقارنة بالمازوت، الذي قد يكون خياراً آخر للتخزين، يتمتع الغاز بتكلفة منخفضة وأكثر فاعلية في التوليد، حيث يمكن استخدامه في مجموعة واسعة من المحطات بما في ذلك المحطات الكهربائية والصناعية.
وبالإضافة إلى ذلك، يساهم استخدام الغاز في تقليل انبعاثات الكربون، مقارنة بالمازوت، مما يدعم جهود الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
أما الإجراء الثالث فيتمثل في مكافحة عمليات التسريب والاستمداد غير المشروع للتيار الكهربائي.
كما يجب تسريع عمليات تركيب العدادات الجهدية وتقديم تقارير دورية للمشتركين حول استهلاك الكهرباء، مما يساعد على اكتشاف أي تلاعب في استهلاك الطاقة ومنعه بشكل فعّال، هذا الإجراء يسهم في خفض الفقد في الشبكات وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.
وباعتبار هذه الإجراءات يمكن تعزيز استقلالية مصر الطاقوية وضمان استدامة الإمدادات، في حالات الأزمات.
- هل تعتمد مصر على المحطات الشمسية كمصدر بديل للطاقة؟ وما مميزات استثمارها في قطاع الكهرباء؟
نعم، حيث تشهد الطاقة الشمسية نموًا ملحوظًا وتوسعًا في استخدامها كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية.
وتعتمد البنية التحتية الطاقوية في مصر بنسبة 90% على المحطات المركزية و10% على الطاقة الشمسية الموزعة.
ويأتي اعتماد الطاقة الشمسية بعدة مميزات أساسية، من أبرزها تخفيض الفقد في النظام الكهربائي.
وبفضل وجود المحطات المركزية التي تولد الكهرباء في أماكن محددة وبكميات كبيرة، يتم نقل الطاقة عبر الشبكة بكفاءة عالية قبل أن تصل إلى المستهلك النهائي.
ويقلل هذا من الفقد الطبيعي والفني الذي قد يحدث في الشبكات التوزيعية ويسهم في زيادة الكفاءة العامة لنظام الكهرباء.
وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الطاقة الشمسية على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يقلل من انبعاثات الكربون ويحسن البيئة.
- هل يوجد محطات طاقة شمسية في مصر حاليا تمد المنازل بالكهرباء؟ وما أبرز المحطات؟
نعم، هناك محطة بنبان التي تعد أمثلة على المحطات المركزية الكبيرة التي تستخدم لتوليد الكهرباء بكميات كبيرة وتوزيعها عبر الشبكة الكهربائية الوطنية.
ومن جانب آخر، يتم تثبيت ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المباني، مثل البيوت والمنشآت التجارية والصناعية، بهدف توليد الطاقة بشكل موزع ومحلي.
ويوجد في مصر أكثر من 200 ميغاواط من القدرة الشمسية المثبتة على أسطح المباني، مما يسهم في توليد الكهرباء بطريقة نظيفة ومستدامة.
ومع ذلك، تواجه عملية تركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني تحديات عدة، من أبرز هذه التحديات هو عدم تهيئة المباني بشكل مناسب لاستقبال الألواح الشمسية، مما قد يؤثر على كفاءة استخدامها وإنتاجها للطاقة.
كما تعتبر الكثافة العالية للمباني، خاصة في مناطق مثل محافظة القاهرة، تحديا آخر يصعب تجاوزه في عمليات التركيب والصيانة للألواح الشمسية.
- متى سيتم القضاء على أزمة تخفيف الأحمال؟ وما استراتيجيات الإصلاح لعدم العودة إلى تطبيق هذا النظام؟
تم القضاء على الأزمة بالفعل، فقد أعلن رئيس الوزراء عن توقف عملية تخفيف الأحمال بشكل نهائي يوم الأحد، الموافق 28 يوليو/تموز 2024، من خلال استيراد كميات من الوقود.
وبفضل الإجراءات الفعّالة واستيراد كميات من الوقود تم استعادة بعض التوازن، لكن هذا التوازن هو من خليط مصادر متعددة، ونعتمد على مصادر وقود محلية ونستورد جزءا من الوقود، إضافة إلى الاعتماد على دول مجاورة.
ومن الضروري بناء منظومة طاقوية متينة ومحصنة، تستطيع تحمل التحديات المتغيرة دون أن تتعرض للاضطرابات الكبيرة.