شكلت حادثة حرق نسخ من المصحف وإهانة القرآن الكريم -كتاب المسلمين المقدس- في السويد على يد المتطرف اليميني راسموسن بالودان نقطة فارقة في الأحداث الجارية هذه الأيام.
سيما وأن أعمال عنف وشغب غير مسبوقة عمّت عدداً من المدن السويدية على خلفية هذا الفعل المستفز لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم.
ولفهم ما يجري، يتوجب علينا الخوض قليلاً في شخصية بالودان، الذي يحمل الجنسيتين السويدية والدنماركية معاً، وقد حُظرت كثير من الأنشطة الخاصة به داخل الدنمارك موخراً، فلجأ إلى الجارة السويد من أجل خوض غمار الانتخابات النيابية هذا العام.
ويطمح "بالودان" إلى الحصول على عشرين ألف توقيع كي يتم السماح لحزبه السياسي بدخول السباق الانتخابي.
والدوافع هنا سياسية بحتة، فالرجل يستثمر في هذا الفعل الشنيع، الذي يقوم به، كي يحصل على مزيد من الأصوات المؤيدة له، وفي الوقت نفسه يتمادى في استغلال مبدأ حرية التعبير عن الرأي، الوارد في دستور السويد والمطبق في قوانينها، وحصوله على إذن رسمي من الشرطة السويدية لتنظيم التجمعات التابعة له، أمر يثير جدلاً كبيراً داخل الأوساط السويدية هذه الأيام، فقد سبق للشرطة خلال الأعوام الماضية، أن رفضت طلباته، فلماذا تم السماح له الآن في شهر رمضان، الذي يحمل قدسية خاصة للمسلمين؟
من حيث المبدأ تبرر الشرطة السويدية موقفها الغريب ذاك بالقول إنها سلطة تنفيذية، ومن يرفض القوانين عليه العودة للمشرعين، وليس لها، فهي لا تستطيع فعل أي شيء، لكن هذا التبرير غير مقبول لكثيرين، كون الشرطة تمتلك الحق في وضع عصا الثغرات في عجلات الهواجس الأمنية، وبالتالي رفض طلب "بالودان".
ونقطة أخرى أشد تعقيداً تطرحها الشرطة السويدية، حين تقول: "القانون السويدي لا يمنع إحراق الكتب الدينية، والقرآن الكريم كتاب ديني، وبالتالي حرقه علناً لا يعتبر خرقاً للقانون".
وهذه قضية معقدة جداً، والشرطة فيها -بحسب بعض السويديين- تتمسك بظاهر الأمور وتترك بواطنها، كما لو كان هناك تشجيع خفي على فعل هذا الأمر بشكل مخطط أو على الأقل التغاضي عنه.
من ناحية أخرى، فما تبع تجمعات "راسموسن" من أعمال بدت كرد فعل على ما قام المتطرفون به، هي أفعال يرفضها المجتمع المسلم في السويد، والبالغ تعداد أعضائه قرابة المليون من مختلف البلدان، ولكن ما يلفت الانتباه هو أن غالبية المشاركين في تلك الأعمال مراهقون مسلمون مولودون في السويد، ويحملون جنسيتها.
ومسألة تأثر الجالية المسلمة سلبيا نتيجة هذه الممارسات، التي وقعت من مسلمين كرد فعل للحادث المتطرف، غير وارد، فهي مسألة يتم توظيفها عند اللزوم، كون اليمين المتطرف في السويد متهم هو الآخر بالضغط على الشرطة، لدفع بعض المسلمين نحو دوامة العنف، سيما وأن السويد على أعتاب موسم انتخابي ساخن.
الأخطر بالنسبة لحكومة السويد يكمن في ردّات الفعل العربية والإسلامية والبيانات الصادرة عن بعض الدول، لأن هذا يسهم في زعزعة مكانة السويد، التي تتمتع بسمعة حيادية لا بأس بها على المستوى الدولي، ولكن في الآونة الأخيرة تعرّضت لما سمّته "هجمات إعلامية"، شوهت حقيقة المواقف السويدية سياسياً وإنسانياً.
ولعل الحدث السويدي يفضح الكثير من عوار الديمقراطيات الغربية، التي لم تراعِ احترام الأديان، وعدم المس برموز دينية ذات خصوصية، فحرق علم دولة في السويد يعتبر جريمة، بينما حرق القرآن مسموح به!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة