متحولات عديدة باتت تؤثر بالمسألة السورية أولها وأهمها هو المتحول العربي.
وثانيها المتحول التركي الذي تتوالى فصوله عبر اللقاءات الأمنية والعسكرية ثم انتقالا إلى الإطار الدبلوماسي على مستوى وزراء الخارجية تمهيدا، كما يرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، للقاء قمة رباعية على مستوى الرؤساء، يضاف إليهما المتحول الإقليمي متمثلا بالاتفاق السعودي الإيراني الذي شكل عنصر تحفيز يضاف إلى المروحة الواسعة التي باتت تطوف في الإقليم .
من الطبيعي أن تكون العلاقات السورية الإيرانية والوجود الإيراني في سوريا محط مناقشات على طاولة البحث والتفاوض كما هو الحال بالنسبة للعلاقات السورية التركية والوجود التركي أيضاً، خاصة بعد المكاشفة العربية الصريحة والتشخيص الدقيق لأوجاع سوريا من قبل الرباعية العربية وتقديم وصفات علاجية محكمة ومخرجات قمة جدة المتعلقة بالوضع السوري راهنا ومستقبلا.
معالجة كل ملف منهما، الإيراني والتركي، ضمن روح خارطة الطريق العربي تشكل من حيث النتيجة عامل طمأنة للجانب العربي ولهواجسه خاصة عندما تتبلور مقاربات مغايرة لما كان عليه الأمر في السابق بحيث تسهم في ترطيب الأجواء لدى جميع الأطراف، وتؤسس بيئة عربية متجانسة، وبيئة عربية إقليمية ودولية مستقرة ومتوازنة، محكومة بالمصالح المشتركة، ومهتدية بها.
الولايات المتحدة الأمريكية في وضعها الراهن في سوريا تريد الانتظار وتريد مراقبة الأحداث ومراقبة التحولات الحاصلة على المستويين؛ الداخلي السوري، وعلى المستوى العربي والإقليمي. وبالتالي تريد واشنطن أن تُبقي على مواقفها، كما تريد أن تبقي على مصالحها.
ليس لدى واشنطن اليوم القدرة الميدانية العسكرية، ولا الوسائل والأدوات لكي تترجم مواقفها بشكل عملي وتحبط هذا الانفتاح العربي على سوريا لأسباب بعضها مرتبط باستراتيجياتها خارج المنطقة، وبعضها الآخر متعلق بالتركيز على تغذية الحرب الروسية الأوكرانية بهدف استنزاف موسكو على المدى البعيد كما تخطط، بالتزامن مع سعيها لتأسيس بيئة من حلفائها من خارج الشرق الأوسط لتطويق صعود الصين متعدد السياقات، من الاقتصاد إلى التجارة إلى الأدوار السياسية ، وأسباب أخرى ذات طابع حيوي متعلقة بفقدانها ثقة الكثير من شركائها وحلفائها في المنطقة العربية والإقليم، بعد أن برهنت في أكثر من منعطف على أن سياستها غير مُطَمْئِنة، ولا تستند إلى مبدأ احترام المصالح .
كثير من العوامل السورية والإقليمية والدولية تتناقض مع الوجود الأمريكي؛ فتركيا لا تقبل بالوجود العسكري الأمريكي في سوريا لأنها تدعم قوات سوريا الديمقراطية وترعاها وتعتبرها أنقرة مصدر تهديد لأمنها القومي، وروسيا ترفض الوجود الأمريكي لأسباب متعلقة بصراع الأقطاب والمصالح ومناطق النفوذ والمكانة؛ من أوروبا إلى آسيا إلى أفريقيا وصولا إلى الشرق الأوسط، أما إيران فلا تقتصر معارضتها للوجود الأمريكي على سوريا فحسب بل يتجاوزها إلى ساحات أخرى، في حين تنطلق سوريا من اعتباراتها السيادية والسياسية والأمنية في رفضها للوجود الأمريكي.
هذه العناصر المضادة للوجود الأمريكي تبدو، من جهة، وكأنها تشكل عامل تهدئة للسياسة الأمريكية في سوريا كما هو ملموس حتى الآن، وتبعدها، من جهة أخرى، عن سلوك خيارات تصادمية أو ضاغطة سواء على الأرض السورية مع خصومها، أو على مستوى علاقاتها مع الجانب العربي الذي هدم جدار العزلة مع سوريا سياسيا ونفسيا.
التجربة الأمريكية مع تركيا أخفقت في وقف التواصل مع سوريا للتطبيع بين البلدين عندما قررت أنقرة السعي نحو مصالحها وأمنها، وكذا الأمر مع العواصم العربية التي تفاعلت مع دمشق، حيث لم تستطع الإدارة الأمريكية وضع عراقيل قاطعة أمام الخطوات العربية باتجاه دمشق وعودتها إلى بيتها العربي.
المزاج السياسي في المنطقة تحركه المصالح بما فيها مصالح العواصم العربية ومصالح دمشق أيضا باتجاه العرب وباتجاه القوى الإقليمية الأخرى.
دمشق اليوم من مصلحتها أن تستثمر هذه الفرص المتاحة سواء من الجانب العربي، وهي فرص غنية لها ولموضوع الأمن القومي العربي خصوصا في ظل بروز ملامح مشروع سياسي عربي تبدو إرهاصاته الأولية قد بدت تتضح في المنطقة، ويفيدها العمق العربي أيضاً في تعاطيها مع تركيا التي استعادت علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية، وكذلك يقدم لها ورقة مهمة في التعاطي مع إيران لكي تحدث نوعا من التوازن في المصالح سواء مع الدول العربية أو مع القوى الإقليمية الأخرى .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة