سوريا.. بشار يتقدم والمعارضة تتراجع وحلب تحترق
يوم آخر تحت القصف والدمار في سوريا، لتستمر أنهار الدماء في الجريان ويظل الخراب هو السمة الأساسية في جوهرة المشرق العربي التي كانت.
يوم آخر تحت القصف والدمار في سوريا، لتستمر أنهار الدماء في الجريان ويظل الخراب هو السمة الأساسية في جوهرة المشرق العربي التي كانت.
فقد بدا واضحاً أن بشار الأسد يسعى إلى استمرار آلة الحرب وعدم الالتفات إلى الحلول السياسية، بدعم من روسيا، وذلك لتغيير الوضع الميداني والسيطرة على مزيد من الأراضي، قبيل استلام الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لمقاليد السلطة، وضعف "بطة أمريكا العرجاء" باراك أوباما في وقف تقدم قواته.
ويبدو أن ما تشهده المنطقة من توترات عسكرية، وفتح جبهات القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي لاسيما في العراق، وانشغال القوات الأمريكية والتحالف الدولي بالمعارك هناك، فضلاً عن التقارب التركي – الروسي، كانا عاملين محفزين لاعتماد الحكومة السورية تكتيك الاستمرار في المعارك ورفض أي خطوات سياسية للتهدئة.
ففي حلب، سيطر الجيش السوري على جميع أنحاء حلب القديمة من يد المعارضة المسلحة، في هجوم عنيف شنته القوات الحكومية بدعم جوي روسي لانتزاع شرق المدينة كاملة، بعد أن بدأ عملية للتوغل فيها ضمن سلسلة مواجهات عسكرية متسارعة، أدت إلى هزيمة المعارضة خلال الأسبوعين الماضيين وفقدانها نحو ثلثي أراضي القسم الشرقي المحاصر من مدينة حلب الذي كان خاضعاً لسيطرتهم.
تزامن مع هذا التقدم العسكري، رد مدفعي من المعارضة ما أدى إلى مقتل مستشار عسكري روسي رفيع، بحسب وزارة الدفاع الروسية، ليسجل ثالث حالة وفاة روسية في حلب خلال أيام.
وأشارت وسائل إعلام روسية إلى أن المستشار روسلان جالتسكي الذي توفى متأثراً بجروحه، سيمنح نوطاً عسكرياً رفيعاً، حيث كان ينفذ مهاماً في حلب كجزء من الفريق الاستشاري للجيش الروسي في المدينة.
وقد أسفرت نيران المعارك في حلب الشرقية المستمرة منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، عن نزوح 80 ألف شخص، من إجمالي نحو 250 ألفاً.
ويبدو أن هجمات الجيش السوري كانت بالقوة التي دفعت المعارضة السورية في شرق حلب المحاصر إلى "إعلان هدنة إنسانية فورية لمدة 5 أيام"، لإجلاء "الحالات الطبية الحرجة والمدنيين"، فيما خرج الكرملين الروسي ليؤكد أن الفرصة لاتزال متاحة لإجلاء المعارضة.
وطالبت وثيقة باسم "مبادرة إنسانية من فصائل حلب المحاصرة لإنقاذ المدنيين"، نشرت الأربعاء، بإجراء مفاوضات بشأن مستقبل المدينة ضمن خطة إنسانية، لإجلاء "الحالات الطبية الحرجة والمدنيين التي تقدر بـ500 حالة، تحت رعاية الأمم المتحدة وبالضمانات الأمنية اللازمة".
ودعت الوثيقة أيضاً إلى إجلاء كل المدنيين الراغبين في مغادرة شرق حلب "إلى منطقة ريف حلب الشمالي حيث أن محافظة حلب لم تعد منطقة آمنة".
أما في إدلب، فقد جددت الطائرات الروسية غاراتها ما أسفر عن سقوط أكثر من 22 قتيلاً من المدنيين، ومثلهم من الجرحى.
وشملت الغارات الجوية كلاً من مدينة إدلب، حيث قضى مدنيّان، ومدينة بنش، ومدينة معرة النعمان متسببة بمقتل مدنيّ واحد، كما في بلدة تفتناز، وأصيب عدد من المدنيين في مدينة خان شيخون.
سياسيًا دعا قادة 6 دول غربية كبرى، الأربعاء، لوقف إطلاق نار فوري في مدينة حلب السورية، ونددوا بروسيا وإيران لدعمهما الحكومة السورية.
وقال قادة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا في بيان صدر في برلين: "إن الهدف الأكثر إلحاحاً هو وقف إطلاق نار فوري حتى تتمكن الأمم المتحدة من توصيل المساعدات الإنسانية للسكان في شرق حلب".
وأضاف البيان أن الحكومة السورية ينبغي أن توافق على خطة من 4 نقاط وضعتها الأمم المتحدة، وهي وقف فوري وكامل لقصف حلب الشرقية والقتال عند الخطوط الأمامية للمدينة، إخلاء مقاتلي النصرة من حلب الشرقية إلى مكان أو أمكنة متفق عليها، وعدم المساس بالإدارة المحلية المستقلة الحالية وأن تكون قادرة على مواصلة العمل بدون أي تدخل أو عائق من قبل الحكومة، وأخيرًا الحصول على ضمانات مكتوبة من روسيا أو من الحكومة السورية بوقف الأنشطة العسكرية.
ولم يصدر أي تعقيب أو تعليق من الحكومة السورية أو الجانب الروسي على هذا البيان، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى اتهام روسيا بعرقلة مساعي التهدئة.
وقال هولاند إن "هذه العرقلة المنهجية التي تمارسها روسيا تتماشى مع منطق التدمير الذي يتبعه نظام بشار الأسد والذي يمس بالسكان المدنيين العزل".
يتضح من العرض السابق، أن بشار الأسد يسعى إلى إعادة تغيير الخريطة على الأرض، وتحريك المعارضة المسلحة بالقرب من أماكن سيطرة تنظيم داعش للقضاء عليهما في عملية عسكرية واحدة، مع وصول ترامب للحكم، الذي يعتقد في ضرورة محاربة التنظيم الإرهابي دون إسقاط النظام.
ولكن يظل التساؤل مرتبطاً بمصير عشرات الآلاف بل مئات الألوف من المدنيين، الذين يتساقطون جراء هذه المعارك، وأيضاً من يغادر موطنه بحثاً على أمان زائف في ظل وضع اللجوء، الذي يفتقد لأبسط حقوقهم الإنسانية.