دفعت تطورات الأحداث الجارية في المنطقة إلى تغيير أو إعادة النظر في الكثير من الخطط والاستراتيجيات المعدة سلفاً على خريطة الرمال المتحركة.
دفعت تطورات الأحداث الجارية في المنطقة إلى تغيير أو إعادة النظر في الكثير من الخطط والاستراتيجيات المعدة سلفاً على خريطة الرمال المتحركة، بعدما كانت هذه الاستراتيجيات تعد من الثوابت عبر عقود، خصوصاً لدى الحليفين الأمريكي والإسرائيلي، في مقابل تقدم لافت للخصم الروسي نحو ملء الفراغ.
فحتى وقت قريب، كانت العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية من الركائز الأساسية غير القابلة للتشكيك، وهي لا تزال كذلك من حيث الدعم السياسي والعسكري والتعاون الاستراتيجي، لكن الجديد هو بداية دخول مرحلة من عدم الثقة، في الآونة الأخيرة، وارتفاع أصوات «إسرائيلية» كثيرة تطالب بمراجعة الخطط الأمنية والعسكرية وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة، خصوصاً في المجالين الجوي والاستخباراتي، بسبب تخبط الإدارة الأمريكية وتراجعها وعدم وضوحها السياسي بعد قرار الانسحاب من شمالي سوريا وتخليها عن حلفائها الأكراد وتركهم لقمة سائغة في فم الآلة العسكرية التركية.
هناك تغييرات واضحة في خارطة التحالفات والمواقف تشير إلى أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة بانتظار تبلور الصورة بشكل جلي، وعندها يمكن تحديد الشكل النهائي للوضع القائم.
صحيح أن دونالد ترامب قدم لـ«إسرائيل» ما لم يقدمه أحد من الرؤساء الأمريكيين السابقين، لكن الهاجس الأمني ونشوء تهديدات ومخاوف تمس وجودها المستقبلي وقدرتها على البقاء تعلو على أي اعتبار.
فالغزو التركي لشمال شرقي سوريا بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي، على سبيل المثال، يثير مخاوف إسرائيلية، ليس فقط من إمكانية تخلي واشنطن عن تل أبيب في لحظة ما، بل يحرمهم من مواصلة استغلال دعم الأكراد ومشروعهم الانفصالي، من تحقيق مكاسب سياسية مهمة جراء إشغال الدول المحيطة وتشتيت جهودها في محاولات إحباط هذا المشروع، ناهيك عن فقدان المستويات الأمنية والسياسية الإسرائيلية القدرة على تقييم المواقف الأمريكية المتغيرة بسرعة كبيرة.
وبحسب المحللين، هناك مخاوف «إسرائيلية» من انسحاب أمريكي مفاجئ من قاعدة «التنف» على الحدود السورية - العراقية - الأردنية، ما يحرمهم بالتالي من القدرة على التحرك وجمع المعلومات الاستخبارية لمواصلة ضرب أماكن التموضع الإيراني في سوريا.
ولهذه الأسباب وغيرها، فقد سارع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للذهاب إلى تل أبيب، عقب التوصل إلى اتفاق الهدنة الأخير مع أنقرة لطمأنة نتنياهو والإسرائيليين، وتأكيد ثبات الدعم الأمريكي لهم، لكن يبدو أن هذه التأكيدات لم تكن كافية لتهدئة المخاوف الإسرائيلية.
وبالمقابل، تشير خريطة الرمال المتحركة، إلى نجاح موسكو في اجتذاب تحالفات ربما تكون استراتيجية مع دول كانت تعتبر تقليدياً حليفة للولايات المتحدة، كما هي الحال مع تركيا وإيران في عهد الشاه، وحتى مع إثيوبيا بعدما دخلت على خط الوساطة في أزمة سد النهضة، الأمر الذي يعزز من نفوذ روسيا ويكشف عن حجم المتغيرات في التوازن الدولي خصوصاً إذا ما تأكد أن واشنطن تنفذ انسحاباً استراتيجياً من المنطقة.
هناك تغييرات واضحة في خارطة التحالفات والمواقف تشير إلى أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة بانتظار تبلور الصورة بشكل جلي، وعندها يمكن تحديد الشكل النهائي للوضع القائم.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة