يسير الحل العسكري باتجاه المدينة أكثر سرعة من الجهود الدبلوماسية التي تعمل على تجنيب نحو ثلاثة ملايين نسمة تقطن إدلب وريفها هذه الحرب.
كان لافتا ما تحدث به المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في نهاية أغسطس/آب 2018 عندما قال إنه يجب التخلص من الإرهابيين، الرجل كرر هذا المطلب في السابق ولكن أن يكون كلامه موجها وخاصا في مؤتمر صحفي كان جلُّ حديثه عن محافظة إدلب فهذا يعني الكثير، في الواقع ما ينتظر المدينة كبير وكبير جدا إن لم يبادر أهالي المنطقة للتخلص من جبهة النصرة بواسطة تركيا العارفة لهذه العناصر عن قرب، فهي إلى وقت قريب تنسق وقطر مع هذه المجموعة على وجه التحديد في كل العمليات العسكرية التي كانت النصرة طرفا فيها.
إذا خُيرت تركيا بين مجاورة جبهة النصرة وقوات النظام فإنها على الأغلب ستختار الثانية لأنها لاتشكل خطرا عليها كما العناصر المتطرفة، التي عاجلا أو آجلا ستنقل محيط عملياتها من الداخل السوري إلى الأراضي التركية
يسير الحل العسكري باتجاه المدينة أكثر سرعة من الجهود الدبلوماسية التي تعمل على تجنيب نحو ثلاثة ملايين نسمة تقطن إدلب وريفها، وهذا ما تعمل عليه القوات النظامية السورية بحشد المزيد من عسكرها في المنطقة بانتظار ساعة الصفر التي على ما يبدو أنها قريبة، خاصة بعد جولة زعيم جبهة النصرة "أبومحمد الجولاني" للخطوط الأمامية وإعلانه أن الحرب هي الفيصل.
لم يكن الجولاني يتخذ هذا القرار لولا مشورة مساعديه الذين لا يهمم إذما طحنت عظام المدنيين في إدلب، فمنهم العربي والأفغاني والشيشاني والأوقازي وغير ذلك من جنسيات العالم جاؤوا إلى هذه البلاد بزعم تخليص أهلها من الظلم.
تبدو تركيا محرجة بشكل كبير من قضية إدلب، فهي تقع بين نارين الأول الضغط الروسي على حكومة رجب طيب أردوغان لحسم ملف هذه الأرض والإسراع بإيجاد حل يناسب أبناء المنطقة ودمشق وموسكو في آن واحد، وهذا في الواقع كان متاحا قبل هذا الزمن لما كان لأنقرة من سلطة قرار على هذه التنظيمات، ولكن ومع شعور النصرة بأن الأتراك باتوا غير مهتمين بمصيرهم باتوا لا يعيرون اهتماما ولا يعطون أذنا صاغية لضباط المخابرات التركية وتحذيرهم المستمر لهم بأن نهايتهم باتت قريبة، وهذا ما يجعل تركيا تميل في قرارة نفسها للخلاص من هذا التنظيم المتطرف التي أسهمت بطريقة مباشرة أو غير ذلك برعايته حتى نما وترعرع في الأرض السورية وبات سلوكه المتطرف يحصد العناصر المعتدلة في حلب وإدلب وغيرهما من المناطق السورية، لذلك من غير المستغرب أن تشارك فصائل الجنوب التي رضيت بالتسوية مع الحكومة السورية في هذه المعركة لما لقته سابقا من ظلم النصرة ومن لف لفيفها.
النار الثانية التي تلف حبلها الملتهب حول عنق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو تكرار تصريحاته بأن بلاده لن تسمح بدخول المدينة طالما كانت القوات التركية منتشرة على الأرض السورية، معللا ذلك بحماية المدنيين، ولكن إذا خيرت تركيا بين مجاورة جبهة النصرة وقوات النظام فإنها على الأغلب ستختار الثانية لأنها لا تشكل خطرا عليها كما العناصر المتطرفة، التي عاجلا أو آجلا ستنقل محيط عملياتها من الداخل السوري إلى الأراضي التركية.
مع كل ذلك يبقى للحلول السياسة مكان وإن كان ضيقا، ولكنه يمنح المدنيين فسحة أمل تجنبهم ويلات الحرب التي فروا منها من مكان إلى آخر حتى انتهى بهم المطاف في إدلب.
سيناريو واحد فقط يجنب إدلب عملية عسكرية كبيرة من دمشق وموسكو، وهو انتفاضة شعبية وتسليح كبير للعناصر المعتدلة وغير المؤدلجة والبدء بعملية عسكرية داخلية تغطيها روسيا استخباراتيا، للتخلص من جبهة النصرة والاستيلاء على المدينة من قبل الجيش الحر والبدء بمفاوضات تضمن بقاء هذه العناصر وأسلحتها ضمن المدينة، وعقد صفقة مع روسيا لضمان ذلك، مقابل التسليم بالحل الذي تسير وفقه الدول الكبرى، وهذا الحل سيكون مدعوما دوليا فالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا لن تكون حزينة للخلاص من النصرة وعناصرها والذي يعد المشروع المتطرف الموازي لتنظيم داعش، وهذا يجنب المجتمع الدولي حرج بدء الجيش السوري وروسيا عملية عسكرية لا يمكن فصل المدني فيها عن الإرهابي، وهذا ما ستكون تكلفته بشريا أعلى بكثير من أن يتحمله أحد.
الركيزة في هذا العمل دافعان اثنان :
الأول الظلم الذي تعرضت له فصائل المعارضة المسلحة من جبهة النصرة وسلبها إياهم أسلحتهم وقتل قادتهم وهذا ما لم تنساه هذه الفصائل وسيكون حافزا كبيرا لها للتخلص من رفاق الأمس أعداء اليوم.
الثاني هو التملل الكبير بين صفوف المدنيين الذين يعيشون تفاصيل حياة أشبه بالجحيم في ظل وجود مسلحين لا ينتمون للأرض السورية ولا يكترثون لما يحدث لأبناء المنطقة من دمار.
مع ذلك نستطيع القول إن ساعة الصفر لبدء المعركة ما زالت مؤجلة دوليا لحين انعقاد القمة الثلاثية بين قادة تركيا وروسيا وإيران في طهران، والاتفاق على سيناريو يجنب مدنيي المدينة معركة سيكونون الخاسر الوحيد فيها، بينما سيلجأ الجولاني وعناصره إلى أرض أخرى خارج الحدود السورية، وبذلك تنجح روسيا بفرض مشروعها على الأرض منتظرة سير المجتمع الدولي وإقناعه بوجهة نظرها نحو إعادة الإعمار والبدء بعملية ديمقراطية تكون مضمونة دوليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة