ما يعيشه السوريون اليوم هو حرب عسكرية يخفت فيها رويدا رويدا أزيز الرصاص ودوي المدافع لتتحول المعاناة إلى حاجة الشعب للقمة عيشه.
بعد أن شارفت الحرب العسكرية على وضع أوزارها في سوريا دون ملامح واضحة لأي حل سياسي يُخرج البلاد من أزمتها التي امتدت لما يقارب العقد من الزمن، دفع خلالها المواطن السوري أثماناً باهظة من الدماء والأرواح ومعاناته لم تتوقف بل ما زالت هي ذاتها ولكن بشكل آخر، ولا نبالغ إن قلنا بأنه لا يقل وطأة عما عاناه السوريون خلال سنين الحرب الأولى والصراع المسلح المباشر فوقع الإنسان السوريُّ اليوم تحت سكين الجهل لفقدان التعليم في أغلب المناطق على الجغرافية السورية، وساطور الفقر وشح المواد بل وندرتها.
كل ساعة تمر يُهدر من الوطن ومن دم المواطن وكرامته ما لا يمكن تعويضه إلا بمد السوريّ يده لشقيقه عندها يمكن القول بأنّه من الممكن عودة سوريا إلى ما كانت عليه من أمن واستقرار وعيش كريم.
ما هي عليه اليوم ليست سوريا التي عهدها أبناؤها بل تغيرت ملامحها إلى درجة كبيرة، فالبلاد عانت فيما سبق الكثير من الصراعات، ولكنها لم تصل إلى هذا المنتهى في تاريخها أبداً.
لا شكّ أنّ ما يعيشه السوريون اليوم هو حرب عسكرية يخفت فيها رويدا رويدا أزيز الرصاص ودوي المدافع لتتحول المعاناة إلى حاجة الشعب للقمة عيشه التي ما حُرم منها أبدا في تاريخ سوريا القديم منه والحديث، وتكمن المعاناة الجديدة في نفاد مادتين اثنتين:
أولها الوقود: فسوريا التي كانت مكتفية ذاتياً من المشتقات النفطية والمحروقات لم تعد اليوم كذلك، فعلي الرغم من أن الأرض السورية غنية بالنفط، فإن المكتشف منه أكثر بكثير من المُستثمر، فلم يُستثمر من النفط في سوريا قبل الحرب إلا ما يسد حاجة البلاد منه لتحقق الاكتفاء الذاتي، وكانت تنتج ما يقارب 300 ألف برميل يومياً، ومن الغاز 21 مليون متر مكعب يومياً، كل هذه الموارد لم تعد موجودة اليوم لأن معظم الحقول النفطية والغازية توزعت بين أطراف الصراع التي دُعم كل طرف منها من جهة دولية تعزز سيطرته عليها لتستثمر الثروات لصالحها، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن، فيقف في طوابير طويلة لساعات طوال للحصول على ما لا يكاد يُذكر من المحروقات سواء البنزين والديزل للمركبات أو الغاز المنزلي، وهو ما يؤدي في الغالب إلى لجوئه إلى تجار الأزمات وتجار الحروب الذين يحتكرون هذه المواد ليبتاعها بأضعاف سعرها المرتفع أصلاً! وهذا زاد من بؤس السوري الذي ما زال حياً بعد أن نجا بأعجوبة من أتون الحرب الذي لا يرحم، فمن معاناة الحفاظ على الروح ينتقل السوري اليوم إلى معاناة المعيشة والحفاظ ما تبقى من روح، ومن وطن بات منكوباً على كافة الأصعدة.
وثانياً الخبز: فتعد سوريا بلدا زراعيا بامتياز غنية بالأراضي الخصبة والمياه السطحية والأنهار الغزيرة كنهر الفرات ونهر دجلة والعاصي والخابور، وكانت قبل الحرب من الدول العربية الأولى في تصدير القمح الذي كان مورداً رئيساً من موارد اقتصاد الدولة، أما اليوم فهي تعاني من شح في مادة الخبز التي لا تقل طوابيرها طولاً عن طوابير المحروقات، فرغيف الخبز الذي كان يوماً من الأيام من أجود الأصناف أصبح اليوم من أردئها بل وشحيحاً وذلك لعدة عوامل؛ فمنذ احتدام الصراع في سنينه الأولى نُهبت مخازن الحبوب الاستراتيجية ونُقِلت إلى تركيا، وعزز من ذلك فقدان الخطة الزراعية والجفاف، كما تقسمت أغلب الأراضي الزراعية المنتجة للقمح بين أطراف الصراع، فنشطت تجارة السوق السوداء لمادة القمح، فبات الفلاح الذي يتحمل تكاليف باهظة للزراعة يفضل البيع لتجار السوق السوداء طلباً للسعر الأعلى، فصارت سوريا بذلك تستورد الأقماح والدقيق مما انعكس بقلة المادة ورداءتها وارتفاع ثمنها، ولا شك أن هذا ينعكس سلباً على البلاد ككل، ولكن المتضرر الأكبر والخاسر الأول هو المواطن السوري الذي بات مُحارَباً في لقمة عيشه التي يعاني ما يعاني في بلد قليل الموارد بسبب الحرب لكسب ما يسد به رمقه، فإذا ما كسب ثمن ذلك القوت اضطر لترك عمله لينتظم في طابور الخبز لساعات وساعات وربما غادر دون الحصول عليه.
كل هذا لا يليق ببلد مثل سوريا ولا بمواطنيها الذين لطالما كانوا مكرمين معززين. ومن هنا، يجب على جميع الأطراف المتصارعة على الأرض إعادة حساباتها لتأخذ موقفا جرئيا بالتصالح والتضحية من أجل الحفاظ على ما تبقى من هذا البلد الذي ينزف دما كل يوم، فلم يذكر التاريخ البشري أنّ هناك حربا لم تنته بالمصالحة فلم لا تكون هذه الأولى؟
كل ساعة تمر يُهدر من الوطن ومن دم المواطن وكرامته ما لا يمكن تعويضه إلا بمد السوريّ يده لشقيقه عندها يمكن القول بأنّه من الممكن عودة سوريا إلى ما كانت عليه من أمن واستقرار وعيش كريم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة