أنقرة وهدنة سوريا.. "شيزوفرينيا" تفضح الأطماع
إقرار مجلس الأمن الدولي هدنة إنسانية بسوريا، لن يتمكن من مغادرة حيزه النظري، وفق محللين.
فصام أو "شيزوفرينيا" حادة بدت جلية في الموقف التركي إزاء قرار الهدنة الإنسانية التي أقرها مجلس الأمن الدولي بسوريا، لوقف القتال للسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
تضارب بين المواقف والمسار الميداني، أورث محللين قناعة شبه راسخة بأن إقرار مجلس الأمن الدولي هدنة إنسانية بسوريا، لن يتمكن من مغادرة حيزه النظري، نظرا للاستثناءات التي تضمنها القرار، والتعقيد البالغ الذي يتسم به الوضع على الأرض.
- الهدنة الإنسانية بسوريا.. قرار دولي تُجهضه الحسابات الميدانية
- عفرين في هدنة سوريا.. امتثال كردي ورفض تركي
استثناءات منحت تركيا ثغرة استفادت منها لمواصلة حملتها العسكرية، التي تقودها للشهر الثاني على التوالي، بعفرين شمالي سوريا، وتركت أيضا للنظام منفذا للاستمرار بقصف المدنيين في الغوطة الشرقية بريف العاصمة دمشق.
الهدنة.. حبر على ورق
مشروع قرار كويتي سويدي صوت عليه، السبت، مجلس الأمن، بالأغلبية، يقضي بوقف الأعمال العسكرية في سوريا، ورفع حصار قوات النظام المفروض على الغوطة الشرقية وبقية المناطق المأهولة بالسكان، لمدة 30 يوما، مع تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
قرار كان من المفترض أن يقضي بشكل صارم بوقف جميع الأعمال العسكرية بسوريا، بما يسمح بفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات للمدنيين وإجلاء المرضى منهم، خصوصا من الغوطة الشرقية التي تشهد أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.
وخوفا من أن يجهض الفيتو الروسي مشروع القرار، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها غالبية أعضاء المجلس الدولي، إلى تعديل إحدى فقرات نص القرار، ليستثني الجماعات الإرهابية بسوريا مثل "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة.
كما جرى تغيير صيغة القرار، قبل التصويت عليه بلحظات، ليصبح عبارة عن "مطالبة" غير ملزمة لوقف إطلاق النار.
غياب الطابع الإلزامي للقرار الدولي، منح أنقرة الضوء الأخضر لمواصلة استهداف وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها منظمة إرهابية، وتقول إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني بالبلاد.
ثغرة أعطت تركيا شرعية دولية لكسر الأكراد عسكريا عبر استمرار معركة "غصن الزيتون"، وسياسيا عبر رفع الغطاء الأمريكي عنهم.
ومباشرة عقب صدور القرار، أعلنت تركيا تمسكها باستمرار محاربة "التنظيمات الإرهابية"، في إشارة إلى عمليتها العسكرية الجارية ضد وحدات الحماية الكردية في عفرين.
حامي أقصوي، المتحدث باسم الخارجية التركية، قال إن بلاده "ستواصل دعم الإسهامات الرامية لوقف الآلام التي يعاني منها الشعب السوري إنسانيا، وتدعم جهود المجتمع الدولي وفي مقدمتها الأمم المتحدة في هذا الصدد".
ومستدركا: "من جانب آخر، سنواصل العمل لإزالة الخلاف المتسبب في الأزمة السورية، ونحارب التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدتها".
تصريحات تأتي في وقت قال فيه الرئيس الدوري الحالي لمجلس الأمن، مندوب الكويت لدى الأمم المتحدة، منصور العتيبي، إن قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة يشمل وقف جميع العمليات العسكرية في سوريا بما فيها عملية عفرين.
المندوبة الأمريكية نيكي هايلي، شددت بدورها على أن قرار وقف إطلاق النار يجب أن يشمل كافة الأراضي السورية.
الهدنة.. شبح يهدد "غصن الزيتون"
أكثر ما يثير مخاوف أنقرة في الوقت الراهن هو فشل عمليتها العسكرية في عفرين، وهو ما يمس الكثير من هيبتها، ويفوت عليها فرصة إجهاض قيام دولة كردية مستقلة على حدودها.
ومن هذا المنطلق، وأمام الصعوبات التي تلاقيها قواتها المتمركزة شمالي سوريا في إطار العملية العسكرية، تدرك الحكومة التركية جيدا أن هدنة لشهر ستكون مدة طويلة نسبيا، وستمنح قوات حماية الشعب الكردية فرصة لالتقاط أنفاسها وإعادة ترتيب صفوفها، وتعزيز عتادها ومعداتها.
وهذا السيناريو يعتبر الأسوأ بالنسبة لأنقرة التي تسعى جاهدة من أجل كسر هذه الوحدات عسكريا، تمهيدا للقضاء عليها.
ومن هنا، فإن التزام أنقرة بقرار مجلس الأمن يبدو بالنسبة لها شبيها بمن قام بتقشير فاكهة ثم قدمها لغيره جاهزة، وهذا ما لن تقبله بديهة، وهو نفسه ما يفسر استمرار عمليات الجيش التركي والقوات السورية الموالية له بعفرين.
وفي وقت سابق الإثنين، أعلنت هيئة الأركان التركية أن العملية العسكرية متواصلة في عفرين "بهدف تحييد عناصر التنظيمات الإرهابية ب ي د/ بي كا كا وداعش، وتحقيق الأمن والاستقرار في الحدود والمنطقة".
كما أشارت إلى تحييد 2059 إرهابيا منذ انطلاق العملية بعفرين.
aXA6IDE4Ljk3LjE0LjgxIA== جزيرة ام اند امز