الهدنة الإنسانية بسوريا.. قرار دولي تُجهضه الحسابات الميدانية
لم يفلح قرار مجلس الأمن الدولي بإعلان هدنة إنسانية لمدة شهر، في ردع الأطراف المتقاتلة، ومنح المدنيين فرصة الحصول على المساعدات.
تماما كما كان متوقعا، لم يفلح قرار مجلس الأمن الدولي بإعلان هدنة إنسانية لمدة شهر بسوريا، في ردع الأطراف المتقاتلة، ومنح المدنيين فرصة الحصول على المساعدات.
تقارير إعلامية ذكرت، نقلا عن مصادر في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، أن 4 مدنيين قتلوا، أمس الأحد، في هجمات استهدفت منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، من قبل قوات النظام السوري.
قصف يأتي غداة اعتماد مجلس الأمن الدولي بالإجماع، السبت، مشروع قرار كويتي- سويدي، يطالب بوقف الأعمال العسكرية في سوريا، ورفع حصار قوات النظام، المفروض على الغوطة الشرقية وبقية المناطق المأهولة بالسكان، لمدة 30 يوما، مع تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
معطيات على الأرض أكدت ما قاله السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبيزيا، للصحفيين عقب انتهاء جلسة التصويت على القرار، أنه "ينبغي على الجميع أن يكون واقعيين، وأن تنفيذ الهدنة لا يمكن أن يتم من خلال قرار لمجلس الأمن، مع كل الاحترام لهذه المؤسسة، لكن من خلال اتفاق الأطراف المعنية على الأرض».
تصريح يؤكد أن استمرار القتال من عدمه غير مرتبط بقرار من مجلس الأمن، وإنما بالمعادلة الميدانية وبموازين القوى على الأرض.
قرار دولي "على المقاس"
بعد مخاض عسير، صوت مجلس الأمن بالإجماع على القرار حول سوريا، في خطوة تأخرت لـ3 أيام، حيث كان من المقرر أن يتم الخميس، قبل أن يتأجل للجمعة، وبعد سجالات ومداولات تأجل التصويت للسبت، قبل أن يتعثر أيضا إقراره لعدة ساعات.
تعثر منح دبلوماسيين بالأمم المتحدة، حتى اللحظات الأخيرة قبل صدور القرار، شعورا بأن ممثلي الدول الأعضاء سيخفقون في جلسة السبت أيضا، نظرا لتأخرها لأكثر من ساعتين عن موعدها المحدد، في التوصل إلى اتفاق.
توقعات لم تترجم، مجرد تكهنات أو استشراف غير مسنود، وإنما بالخلافات الحاصلة بالمجلس بين روسيا وغالبية ممثلي الدول الأعضاء بالمجلس، حول أكثر من فقرة مدرجة بنص مسودة القرار.
ومن أبرز الفقرات التي شكلت نقطة توقف بالمجلس، تلك المتعلقة بما إن كان القرار سيشمل وقف الأعمال العدائية في سوريا وإقرار الهدنة، أم أنه سيكتفي بمطالبة الأطراف المعنية بوقف الأعمال العسكرية.
وخوفا من أن يجهض الفيتو الروسي المتوقع القرار الدولي حول الهدنة الإنسانية بسوريا، كان لابد وأن يتم تعديل الفقرة الأولى من القرار، حتى تكون على مقاس موسكو، وتضمن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها غالبية الدول الأعضاء بالمجلس مرور القرار.
وبالفعل، تم تعديل الفقرة نزولا عند طلب روسيا، ليستثني القرار الجماعات الإرهابية بسوريا مثل "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية المسلحة، ما يعني في النهاية أن الاقتتال لن يتوقف بشكل كامل، طالما أن أي طرف بسوريا يمكنه أن يتذرع بمحاربة التنظيمات المسلحة والإرهابية لمواصلة الأعمال العسكرية، وهذا بالضبط ما يحصل على الأرض.
والمفارقة أن مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، قال متوعدا أمام مجلس الأمن خلال الجلسة وعقب التصويت، إن بلاده «لن تتوانى في استخدام قوتها العسكرية أمام أي مجموعات عسكرية تخرق هذا القرار ولو حتى بقذيفة واحدة»، قبل أن تخرق قوات النظام القرار من الغد.
تركيا وقرار الهدنة
تركيا التي تقود عملية عسكرية بعفرين السورية، رحبت بمطالبة مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار بالبلد الأخير.
وقالت الخارجية التركية، الأحد، إن أنقرة ستواصل مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الوحدة السورية.
من جانبه، قال المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، إن "قرار وقف إطلاق النار في سوريا لن يؤثر على عملية غصن الزيتون الجارية ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة عفرين السورية".
موقف يخلق استثناء جديدا في القرار الدولي، من شأنه أن يتجلى على الأرض من خلال استمرار استهداف وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، وتقول إنها امتداد لحزب العمال الكردستاني في تركيا.
حسابات أحادية تفتح جبهة جديدة في الحرب السورية، وتسلط الضوء على تجاذبات القوى الدولية في تلك المنطقة، والأسوأ هو أن القول بوجود معركة تركية كردية على أرض سوريا، برقابة أمريكية روسية إيرانية، يجعل الوصف معقدا، رغم أن الواقع الميداني والسياسي يظل أكثر تعقيدا من ذلك.