إدلب الخضراء.. قلعة سوريا بمرمى نيران أردوغان وأطماعه
تقع على البوابة الشمالية لسوريا، وهي بمثابة الجسر بين مناطق الإنتاج الزراعي بالجزيرة السورية والمناطق الشرقية ومناطق التصدير باللاذقية
كانت شبيهة بجزيرة تطفو وسط بحر من الأشجار المثمرة التي تطغى عليها أشجار الزيتون دائمة الخضرة.. ومحافظة عصرية حديثة بساحاتها وحدائقها وشوارعها، وبسمات سكانها التي لا تنضب.
تلك كانت إدلب، أو إدلب الخضراء، المحافظة الواقعة على البوابة الشمالية لسوريا فتطل منها على تركيا وأوروبا، وهي أيضا همزة الوصل بين المنطقتين الساحلية والوسطى والمنطقتين الشمالية والشرقية.
لكن إدلب لم تعد خضراء، فقد تدثرت بسواد لم يغادرها منذ سنوات، وحلكة ازدادت في الأشهر الأخيرة، بتكثيف تركيا عدوانها عليها في محاولة لإبقاء المحافظة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية الموالية لها، بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري في معركة استعادة المدينة.
ودعت إدلب خضرتها وتعودت على سوادها وحلكة ليلها ونهارها، تماما كما ودع سكانها بسماتهم وديارهم، وفروا هاربين ينشدون النجاة من البراميل المتفجرة والقذائف المستعرة من كل حدب وصوب.
لماذا إدلب؟
محركات البحث عبر الإنترنت تشير إلى أن إدلب تحولت في الأيام الأخيرة إلى واحدة من أكثر المناطق حول العالم بحثا من قبل المبحرين، خصوصا منذ تصدرها عناوين الأخبار عقب التوتر التركي الروسي فيها، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط.
الموقع الاستراتيجي للمدينة إلى جانب الأحداث التي تشهدها هذه الأيام لعبا دورا كبيرا في تصدرها الاهتمام، فهي تقع على البوابة الشمالية لسوريا بمثابة الجسر بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية والمناطق الشرقية ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.
وتنقسم المحافظة الواقعة في الشمال الغربي إلى 5 مناطق إدارية هي: إدلب وأريحا ومعرة النعمان، وجسر الشغور، ومنطقة حارم.
وتعد آخر المعاقل الرئيسية للفصائل الإرهابية المسلحة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمسلحين، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية، كما أن مركز المحافظة، أي مدينة إدلب، لا يبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كيلومترا.
أهمية استراتيجية تفسر تكالب تركيا القوي للسيطرة عليها، والتصعيد الأخير بشأنها، والذي بلغ حد تهديد الرئيس رجب طيب أردوغان بضرب قوات الجيش السوري في أي مكان في حال أصيب جندي تركي واحد.
في المقابل، حملت موسكو التي لطالما كان موقفها واضحا على المستويين السياسي والعسكري أنقرة المسؤولية المباشرة عن تأزم الوضع في منطقة خفض التصعيد بشمال سوريا، ما ينذر بسيناريوهات غامضة بالمحافظة.
في الأثناء، لا يبدو أن تهديدات أردوغان تلقى آذانا صاغية لدى بشار الأسد أو حلفائه في موسكو، فالردود الأولى من موسكو ودمشق لا تشير إلى تغيير جذري في المواقف، حيث لا عقلية نظام الأسد ولا عقيدة الروس تتيح لهم التفريط في المكاسب التي حققوها على الصعيد العسكري، ما يعني أن إدلب ستكون على موعد مع تصعيد إضافي في الأيام المقبلة.
إدلب.. أصل التسمية
اختلفت الآراء حول أصل التسمية، فالبعض يقول إن إدلب هو اسم مركب كما في الآرامية مؤلف من (أدد) وهو الآلهة المشتركة عند الآرامية، وهو نفسه الإله (هدد) إله العاصفة والرعد.
أما الشق الثاني من الكلمة فهو (لب) ويعني بالآرامية والسريانية (لب الشيء أو قلب الشيء أو مركزه) والكلمة بمجملها (إدلب) تعني (مركز أدد) أو مكان عبادة الإله (أدد)، والمرجح أن هناك معبدا وثنيا خُصص لهذا الإله في منطقة إدلب ومن المعتقد أن هذا المعبد الوثني هو مكان الجامع العمري أو خلفه - الذي هدم - حيث كان معبداً وثنياً.
من جانبه، يقول الباحث والمؤرخ فايز قوصرة، عن نشوء مدينة إدلب، إنّ "حال مدينة إدلب كحال الكثير من البلدان والقرى التي نشأت حول المعبد الديني، حيث تكونت قرية لوبان، وهي التسمية الإبلائية لإدلب، في حدود منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حول معبد نيداكول الإبلائي".
ولفت الباحث إلى أن هذا المعبد كان يوجد مكان جامع "العمري" الذي جرى هدمه في 1988، ملخصا نشوء مدينة "إدلب" بالمراحل التالية: معبد وثني، ثم دير سرياني فجامع في قرية "دير ليب".
وفي النصف الأول من القرن الـ15 الميلادي، أصبحت تسمى قرية "إدليب الكبرى"، لكن بعد أكثر من 4 قرون، هاجر سكانها إلى "إدلب الصغرى" الحالية، لتقتصر التسمية، منذ نحو 150 عاما رسميا على "إدلب"، وتختصر المحافظة كل ذلك التاريخ العريق، قبل أن تدميها الحرب، وتحولها إلى أطلال.
aXA6IDE4LjExOC4wLjQ4IA== جزيرة ام اند امز