خريطة القوة القبلية في سوريا.. من البادية إلى حدود السياسة

في محافظة السويداء، كما في كل سوريا، حيث تتداخل الهويات وتتقاطع الولاءات، لا تعود القبيلة مجرد رابطة دم أو بقايا تقليد اجتماعي، بل تتحول إلى فاعل سياسي وأمني.
ومع تصاعد التوترات الأمنية الأخيرة في الجنوب السوري، برز الدور المتجدد للقبائل العربية في السويداء كرافعة للاستقرار حينًا، وكعامل توتر حينًا آخر، وسط بيئة تغلي بالاحتجاجات والمطالب المتزايدة من الطائفة الدرزية.
لم تعد العشائر في السويداء مجرد امتداد لثقافة تقليدية، بل باتت جزءًا من مشهد القوة والمفاوضة، تحكمها اعتبارات الأمن الذاتي، والتحالفات المتغيرة، وموجات السخط الشعبي من السلطة المركزية.
وفي هذا السياق، تكتسب قراءة موقع القبائل العربية في المحافظة أهمية خاصة، لفهم توازنات القوة داخل مجتمع يعيش على حافة الاضطراب، خاصة في ظل محاولات بعض الأطراف الإقليمية والدولية استخدام البنية العشائرية لإعادة تشكيل النفوذ السياسي في الجنوب.
من البادية إلى الجغرافيا السياسية
تشكل القبائل العربية أحد الأعمدة الأساسية للمجتمع السوري، حيث ترتبط بروابط نسبية واجتماعية تعزز التماسك المحلي وتعيد إنتاج الهوية الجمعية.
وتنتشر هذه القبائل في أنحاء سوريا كافة، من البادية إلى الحواضر، ومن السهول إلى الجبال.
أبرز القبائل وتوزيعها:
- قبيلة العكيدات: قرابة مليون نسمة، تتوزع في دير الزور، حمص، حماة، حلب، الحسكة، والرقة.
- قبيلة البوشعبان: قرابة 3 ملايين نسمة، في دير الزور، الحسكة، حمص، وحلب.
- قبيلة بني سعيد: تقطن دير الزور، ويُقدَّر عددها بـ800 ألف نسمة.
- قبيلة النعيم: أكثر من 2 مليون نسمة، تنتشر في حلب، ريف دمشق، الحسكة، الرقة، حماة، وحمص.
- قبيلة الجبور: مليون نسمة في حلب، الحسكة، والرقة.
- قبيلة البقارة: مليون ونصف نسمة في دير الزور، حلب، الرقة، والحسكة.
- قبيلة قيس (جيس): تنتشر في إدلب، الرقة، حلب، وحمص.
- قبيلة بني خالد: تتواجد في حمص والرقة ودير الزور، ولها امتدادات في الأردن والسعودية.
- عشيرة البوبنا: منتشرة في دير الزور.
- عشائر بني صخر (الخرشان): تتركز في درعا، وتمتد إلى الأردن.
- عشيرة السخاني: تتركز في حمص وحماة.
- قبيلة الموالي: تنتشر في إدلب، حماة، والبادية.
- قبيلة الفواعرة: تتركز في حمص وريفها.
- الشرابيين: الحسكة، ريف الرقة، ريف حلب.
- الدليم: بالأساس في العراق، ولهم تواجد في دير الزور والبوكمال.
- العبيد: تنتشر في الحسكة، دير الزور، وغرب العراق.
- الحديديين: شرق حلب وريف الرقة.
- الجحيش: منتشرة في الحسكة، دير الزور، والرقة.
- عداون: ريف دمشق ودرعا، ولها امتدادات في الأردن.
- حرب: تتركز في درعا والسويداء.
- شمر: الحسكة والقامشلي.
- طيئ: الحسكة، حلب، الموصل.
وتُظهر هذه الخريطة حجم التنوع والتأثير الذي تتمتع به القبائل، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في فهم تفاعلات الصراع والتوازنات المحلية.
عشائر السويداء
ورغم أن الطابع الدرزي يغلب على محافظة السويداء، إلا أن هناك وجودًا مهمًا للقبائل العربية السنية، التي لعبت دورًا تاريخيًا في تشكيل النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة.
وتُعتبر العلاقات بين القبائل الدرزية والعربية في المحافظة نموذجًا دقيقًا عن كيفية تقاطع الانتماء الديني مع الرابطة القبلية.
ويقوم النظام القبلي في السويداء على مجالس الشيوخ والمخاتير، الذين يُنظمون الحياة الاجتماعية، ويبتّون في النزاعات، ويديرون الأزمات، عبر منظومة أعراف راسخة تُعرف بـ«السواني» أو «الصول» العشائري.
إدارة الفوضى وصياغة البدائل
ومنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تغيّر موقع القبيلة من عنصر اجتماعي إلى أداة سيطرة واستقرار محلي.
فمع انسحاب الدولة من الأطراف، برزت العشائر لتملأ الفراغ عبر تنظيم الحماية الذاتية، وفرض الأمن المجتمعي، والحفاظ على البنى التحتية في مناطقها.
وفي السويداء، على وجه الخصوص، برز هذا الدور بعد تعرض المنطقة لاعتداءات من مجموعات خارجة عن القانون، وهجمات على السكان المحليين، ما دفع العشائر إلى إعادة تشكيل شبكات أمن محلي، تضطلع فيها القبائل بدور «الإدارة السياسية».
وجرى إنشاء نقاط تفتيش، وتسيير دوريات محلية، بالتنسيق مع رجال الدين أو شيوخ العقل، لتأمين القرى والطرق.
كما لعبت القبائل دور الوسيط في الخلافات التي نشأت بين مجموعات مسلحة مختلفة، وأحيانًا بينها وبين السلطة أو المجموعات الدرزية، للحفاظ على التوازن الهشّ ومنع التصعيد.
عودة القبائل إلى الواجهة
وفي سياق احتجاجات السويداء المتصاعدة، أعادت القبائل العربية تموضعها في المعادلة المحلية.
البعض اختار الحياد، حفاظًا على السلم الأهلي، فيما اندفعت مجموعات أخرى نحو تحالفات موضعية، أو تبنّت مواقف معارضة.
هذا التداخل بين الدور الاجتماعي للقبيلة ودورها السياسي زاد من تعقيد المشهد، خصوصًا في ظل رغبة قوى خارجية بتوظيف هذا النسيج التقليدي لإعادة إنتاج التبعية والنفوذ.
التحديات والفرص
ومع كل تحول في المشهد السوري، تطرح القبائل العربية معادلة جديدة بين الهوية التقليدية والدولة الحديثة.
ويبدو أن الاعتراف بدورها لا يعني بالضرورة ترسيخها كبديل عن الدولة، بل إدماجها ضمن عملية إعادة بناء وطنية، تستثمر في قواها الاجتماعية وتضع حدودًا قانونية لوظيفتها.
وهذا يتطلب إصلاحًا قانونيًا يعترف بالأعراف المحلية دون أن يعارض القوانين، وتوازنًا في التمثيل يتيح للقبائل الانخراط في الحياة السياسية دون احتكارها أو تهميشها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAxIA== جزيرة ام اند امز