تعيش سوريا اليوم الذكرى العاشرة لاندلاع الاحتجاجات التي تطوّرت فيما بعد لتصل إلى مرحلة النزاع والحرب العسكريّة،
عشر سنواتٍ والسوريون يتأمّلون حلاًّ ينهي معاناتهم التي باتت تسوء أكثر فأكثر في كل عامٍ جديدٍ، بل في كلّ شهرٍ و كلّ يومٍ، فالحالُ في سوءٍ منحدرٍ من سيئ إلى أسوأ وعلى الأصعدة كافة؛ السياسية منها والعسكرية والاقتصادية، ضمن وقائع معقدة وملفاتٍ متشابكةٍ إذا ما قرأناها بإنصافٍ وواقعيّة منطقيّة فإنّنا نجدُ البلادَ أمام سيناريوهاتٍ ثلاثة لا رابع لها:
الأول: يكمن في بقاء الوضع على ما هو عليه من إنكارِ الأطراف السياسية السورية لبعضها، فلا الموالاة تعترف بالمعارضة أو تقبلها ولا المعارضة تتقبل الموالاة أو تستعد لمواجهتها على طاولة حوار، الأمر الذي جعل الجوّ مناسباً لتمرير الأجندات الخارجية من الداعمين الدوليين لهذه الأطراف؛ مستغلةً حالة التعنت لتقضم المزيد والمزيد من البلاد بحجة الحليف المدافع عن حليفه، والحليف السوري موالاةً ومعارضةً لهؤلاء الحلفاء مرتهنٌ بمطالبهم وما يقضمون من البلاد أرضاً وموارد وامتيازات، بالإضافةِ إلى تصادم مشاريع الداعمين للأطراف السورية؛ الأمر الذي يُترجم إلى المزيد من الانهيار السياسي والعسكري والاقتصادي.
الثاني: إذا ما بقيت الأمور على هذا المنحى من القطيعة والارتهان للأجندات الخارجية فليس أمام سوريا اليوم إلا التقسيم على الرغم من أنّ كل الأطراف تتشدّق بالشعارات الصادحة بوحدتها وسيادتها واستقلالها، ولكنّ الأفعال لا تدلّ على صدق هذه الأقوال، مما يجعلنا أمام حقيقة "سوريا المجزأة" على شكل كانتونات متفرّقة بما يتناسب مع مصالح ومشاريع الفرقاء الدوليين الداعمين لكلّ طرف من الأطراف السورية.
الثالث: وهو السيناريو الذي قد يحدث بدافع سلطويٍّ أو تنفيذاً لمشروعٍ خارجيٍّ، أو في أحسن الأحوال وأصدق النوايا يكون بهدف الحفاظ على البقية الباقية من وطنٍ مسلوبٍ سياسياً وعسكرياً وحتى على مستوى الأرض، وهو السيناريو القائم باسم "مجلس عسكري انتقالي" وهو ما يمكن أنْ يكونَ خطراً للغاية ويأتي على شكل انقلابٍ لتعود البلاد إلى المربع الأول من العسكرة وقتل السياسة والعمل السياسي لصالح البزّة العسكرية والسلاح، وهو ما يخشاه كلّ السوريين باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
المتبصّر في الظروف المحيطة التي تلفّ القضية السورية منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية وتطورها إلى المواجهة العسكرية وما آلت إليه الأوضاع اليوم، وتحوُّل الراية السورية بشقيها الموالاة والمعارضة إلى أصغر راية مرفوعة على الأرض؛ يدرك تماماً أنّ هذه السيناريوهات هي المفروضة والتي يُعمل عليها لتحقيق أحدها أو للبقاء في الحلقة المفرغة واقتسام الكعكة السورية من قبل اللاعبين الدوليين على حساب سوريا والسوريين، أما السيناريو الأصعب تنفيذاً وفق هذه المعطيات الواقعية، ولكنه الأنجع، فيكمن في تسويةٍ سياسيّة شاملة تبدأ بها الأطراف السياسية السورية بنفسها وبكل مكوناتها وعلى حين غرّة من كل المخططات والمشاريع والأجندات الخارجية وعبر قناةِ اتصالٍ عربيّةٍ حصراً، لتقلب سوريا الطاولة على كل من أراد ويريد بها شراً من الأجندات الخارجية، قلباً يتأسّس على مبادئ ثلاثة لا تنازل عنها؛ أولها وحدة سوريا واستقلالها أرضاً وشعباً، ثانيها التأكيد على عروبة سوريا قضيةً وأرضاً وهويةً، أما ثالثها فرفض الوجود الأجنبي بكلّ أشكاله والحيلولة دون تحول سوريا إلى ساحة صراعٍ دوليّةٍ.
في الحقيقة، إن الواقع السيئ والظروف المعقدة التي تعيشها سوريا اليوم لا تنذر بخيرٍ ولا بحلحلةٍ طالما بقيت الأطراف السورية منكرةً لبعضها ورافضة حتى اللقاء، أو أنها تتربص ببعضها من أجل المداهنات السياسية والمماطلات وكسب الوقت، كسب وهميّ تضيع به البلاد يوماً بعد يوم، ويجعلها أمام هذه السيناريوهات المشؤومة، أما السيناريو الناجع فعلى الرغم من صعوبته فإنه ليس مستحيلاً إذا ما توفر الحس الوطني والقومي والشعور بمأساة الشعب السوري والاستعداد للتضحية من أجل سوريا الواحدة الموحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة