تدمر.. تفاصيل الحياة تحت قبضة "داعش"
بينما تدخل تدمر السورية، تستقبلك الأعلام السورية والروسية التي ترحب بالزائرين.. وفي كل مكان تقريبا، يوجد تذكير ببيروقراطية داعش وقمعه.
بينما تدخل مدينة تدمر السورية، تستقبلك الأعلام السورية والروسية التي ترحب بالزائرين.. وفي كل مكان بالمدينة تقريبا، يوجد تذكير ببيروقراطية داعش وقمعه؛ من وثائق عثر عليها في مبانٍ كان يستولى عليها التنظيم في السابق؛ مسجد عثمان بن عفان الذي كان ذات يوم مقرا للتنظيم، وأصبح الآن كومة من الحطام، ومكبرات الصوت المتدلية من قبته وكان يذيع فيها داعش بياناته ومراسيمه.
كانت تدمر ذات يوم مدينة تضم 70 ألف شخصا، وفي 2014 كانت لا تزال مدينة نابضة بالحياة تضم مطاعم سياحية ومقاهٍ ومحلات تجارية.. سقطت تدمر في يد داعش في مايو 2015، وأصبحت الآن مدينة شبه مهجورة تخضع لحراسة القوات السورية والروسية.
وتحول المشهد في تدمر الآن إلى مكان صحراوي مروع يحتوي على خطوط كهرباء متساقطة، ومركبات مسلحة متفحمة، ونقاط تفتيش سورية محصنة، وثقوب عميقة في مباني المدينة تشير إلى هجمات بقذائف الهاون، أو إلى مواقع قام فيها مقاتلو داعش بزرع قنابل على جوانب الطرق بينما كانوا ينسحبون.
علاوة على أنه حتى وقت حديث، لا يسير على الطرق السريعة في تدمر إلا المركبات العسكرية فقط، فضلا عن تدمير معظم النجوع على جانبي طريق المدينة، وما تبقى منها هجره الأهالي.
وبعيدا عن أهميتها الأثرية والتاريخية، تتمتع تدمر بأهمية استراتيجية هائلة أيضا، فهي تقع بالقرب من حقول الغاز الطبيعي، وبجوار طرق مهمة تؤدي إلى العراق ودمشق ومناطق أخرى ذات كثافة سكانية.
طرد الجيش السوري مدعوما بالقوات الروسية ميليشيات داعش من تدمر في مارس الماضي، منهيا قبضة التنظيم الإرهابي على المدينة السورية التي كانت ذات يوم مركزا إقليميا حيويا، أكثر ما يميزها أنها مدينة أثرية تضم بقايا تاريخية ذات أهمية بالغة.
وهروب مقاتلو داعش بسرعة من تدمر، جعل المدينة شبه مجمدة على التجسيد الداعشي، على حد وصف صحيفة "لوس أنجلوس" الأمريكية، نظرا للأشياء التي تركها التنظيم من أسلحة مهملة أو كتب عن الحكم أو مستندات متناثرة، فكل ذلك يقدم نافذة غير تقليدية على كيف هي الحياة اليومية تحت قبضة الجهاديين.
وأثار تدمير المتطرفين النظامي للآثار المبدعة في بقايا تدمر، سلسلة إدانات عالمية هائلة، لكن لم تكن هناك ملاحظة كبيرة للإرهاب والخوف الذي يفرضه نظام داعش داخل تدمر وأهلها.
اعتبر التنظيم الإرهابي نفسه حكومة شرعية في المدينة، وأسس بيروقراطية وليدة للتعامل مع شتى الأمور، وأدى المقاتلون مهامهم في تدمر بجدية شديدة، وبقايا الأشياء التي تركوها خلفهم تدل على أنهم كان ينوون الاستقرار والبقاء فيها.
وخلال الفترتين اللتين استولى فيهما التنظيم على تدمر، قام موالوه بوضع أرقام جديدة على شوارع ومباني المدينة، في جهد واضح لتتبع حياة كل شخص يعيش تحت حكم داعش ويشمل ذلك عنوان الساكن ووظيفته وتفاصيل شخصية أخرى.
وجعل التقدم السريع لداعش الكثير من سكان تدمر غير قادرين على الفرار، بعد استعادة النظام السوري للمدينة في المرة الأولى، وسريعا ما اكتشفوا أن التنظيم لديه شبكة خفية من المخبرين في تدمر ساعدت كوادر التنظيم في الذهاب إلى كل بيت تقريبا لجمع المتعاونين مع القيادة "الكافرة" في دمشق، وتنفيذ أحكام بالإعدام خلال الأيام الأولى القليلة من استيلائهم على المدينة.
ومن بين أمور كثيرة أخرى، لفتت "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن التنظيم كان يطلب من التجار إغلاق محلاتهم أثناء أوقات الصلاة والالتزام بأداء صلاة الجماعة، وإلزامهم بعدم بيع السجائر أو تدخينها أو السب أو التحدث عن أمور غير أخلاقية.. بالإضافة إلى إجبارهم على إزالة صور الأشخاص والصور غير اللائقة من على أغلفة البضائع.
كما طلب داعش من البائعين عدم السماح للسيدات بالكشف عن وجوههن، ورفض التعامل وتقديم الخدمات إلى السيدات اللاتي يضعن مستحضرات تجميل. فضلا عن منع السيدات من دخول المحلات التجارية إلا مع أقاربهن الذكور أو في مجموعات.
وطلب أيضا التنظيم من التجار تجميد اللحوم، وعدم بيع اللحوم القادمة من تركيا لأسباب غير معروفة حتى الآن، والتعهد بعدم غش المسلمين ودفع الزكاة إلى المكاتب التابعة للتنظيم.. فضلا عن فصل الأطعمة الطازجة عن مواد التنظيف الكيميائية، والاحتفاظ بجميع الإيصالات والفواتير فيما يبدو للاستفادة بها في جمع الضرائب.. وكل من ينتهك هذه الشروط يخضع لعقاب غير محدد ينفذه الحسبة أو شرطة الأخلاق الداعشية.
أما ميدان النصر أو ميدان الخضروات سابقا، فتحول في ظل حكم داعش إلى أشهر ميادين تنفيذ أحكام الإعدام في تدمر.. وفي تدمر وغيرها من المدن المحتلة من قبل المتطرفين، يتم عرض جثث القتلى ورؤوسهم المقطوعة أمام الجميع، وفي بعض الأحيان يتم تصويرها بالفيديو وعرضها على الإنترنت.
كما يتضمن ميدان النصر بقايا موضع غريب للقنص: حفرة عبر ورق مقوى كتب عليها "إصلاح تدمر" بالإنجليزية، إلى جانب مصنع متفجرات.
ومن بين الأوراق المتناثرة الخاصة بالتنظيم، عثر على مجلد يشرح الخطط السياسية والاقتصادية لزعيم كوريا الشمالية الراحل كيم إيل سونج، مترجم إلى اللغة العربية، وهو ما وصفته الصحيفة بأنه غير مناسب تماما للمتطرفين دينيا نظرا لعقيدة كيم إيل سونج العلمانية والشيوعية.
ويبتعد مبنى محكمة الشريعة المكون من 3 طوابق، عن الميدان ببضعة مبانٍ فقط. وكانت تعرف رسميا بمكتب "المظالم والقضاء" في "بيت التوحيد"، وحكمت المدينة على مدار عام كامل من احتلال داعش لها.. ومن بين الأوراق التي عثر عليها في هذه المحكمة، أوراق خاصة بحكم على سيدة تدعى فاطمة فكري فتح الله، حكم عليها بالرجم حتى الموت.
واختتمت الصحيفة تقريرها بأن مصير فاطمة غير معلوم، وإنه إذا كان هذا الحكم قد نفذ، فلابد أن بقايا جثتها مدفونة في مكان ما، إلى جانب كثير من سكان هذه المدينة المجروحة.