أن يمعن تنظيم «داعش» الإرهابي، في تدمير الآثار في كل من سوريا والعراق، بهذه الطريقة الحاقدة، فهذا يمثل في الحقيقة الوجه الأبرز والأخطر لخسائر البلدين، بعد خسائرهما البشرية، التي لا يمكن تعويضها.
أن يمعن تنظيم «داعش» الإرهابي، في تدمير الآثار في كل من سوريا والعراق، بهذه الطريقة الحاقدة، فهذا يمثل في الحقيقة الوجه الأبرز والأخطر لخسائر البلدين، بعد خسائرهما البشرية، التي لا يمكن تعويضها.
ففي تسجيلات الفيديو، التي بثتها وزارة الدفاع الروسية مؤخراً، تظهر مغول العصر، من عناصر تنظيم «داعش» الإجرامي، وهم يمعنون في تدمير ما تبقى من الآثار الإنسانية العظيمة في مدينة تدمر السورية، وحاضرة باديتها.
إذ تبين مقارنة بين المدينة في السادس من يونيو/ حزيران الماضي، حين كانت تحت سيطرة الجيش السوري، ثم في الخامس من فبراير/ شباط عندما باتت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، أن عمليات تدمير جديدة لحقت بأعمدة التترابيلون المكون من 16 عموداً، وتعود إلى القرن الثالث الميلادي، وبخشبة المسرح الروماني القديم، الذي يعود إلى القرن الثاني. كما تظهر التسجيلات، التي صورتها طائرات روسية من دون طيار تزايداً في حركة شاحنات مقاتلي التنظيم حول تدمر، ما يشير إلى عمليات تدمير جديدة.
ولفتت الوزارة إلى أن ذلك يأتي بالتزامن مع تقدم القوات الحكومية السورية بنجاح نحو تدمر، ويدل على نية «داعش» نقل المزيد من المتفجرات إلى المدينة من أجل إلحاق أقصى دمار ممكن بالآثار قبل الانسحاب. جرائم جديدة ليس بحق سوريا وشعبها وتاريخها العريق فقط، وإنما بحق الإنسانية جمعاء، نظراً لما يمثله هذا الكنز التاريخي من قيمة فنية وحضارية كبيرة، وهو أمر دفع بمنظمة اليونيسكو إلى التنديد في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعمليات التدمير، واصفة إياها ب«جريمة حرب وخسارة هائلة للشعب السوري وللإنسانية».
وحقيقة لو توقفنا قليلاً عند جرائم هذا التنظم الإرهابي الخطر، في كل المناطق التي تواجد فيها، سواء في سوريا أو العراق، أو أي مكان آخر، نلاحظ أنه يقوم بعمل إجرامي ممنهج، ويبدو أنه يسير في إطار مخطط قد رُسِمَ له من قبل، وأن خطواته ليست ارتجالية، أو ردود أفعال بمقدار ما هي ترجمة لخطط معدة بإحكام، من قبل الجهات والقوى التي أنشأت هذا التنظيم، وهي قوى باتت مكشوفة، مهما حاولت التخفي، أو التظاهر بأنها تحارب التنظيم، أو الإرهاب عامة.
ذلك أن هذه القوى استخدمت ورقة الإرهاب سابقاً، لتنفيذ أجنداتها في المنطقة، وتمرير مشاريعها ذات الطابع الاستغلالي فيها، تماماً كما تفعل الآن باستغلال شعارات ويافطات رفعتها بحجة محاربة الإرهاب، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن جرائم الإرهابيين، وتتلكأ بالوقوف في وجوههم بجدية، والسبب في ذلك واضح وضوح الشمس، ولا يحتاج إلى عقل محلل جهبذ، فوجود مثل هؤلاء الإرهابيين في الدول العربية، يقدم للقوى المعادية خدمتين في آن واحد، الأولى تدمير التراث والتاريخ العربيين، لصالح بقاء وتنامي المشروع الصهيوني الموالي للغرب، أما الثانية، فهي إعطاء هذه القوى الشريرة ورقة لاستخدامها، من أجل تدمير القدرات العربية، ومراكز القوى الاقتصادية فيها، تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
وعليه يمكن القول إن الإرهاب الذي يمثله تنظيم «داعش» وغيره، يشكل مع هذه القوى المعادية طرفي مقص، يعملان معاً بتناغم كبير، من أجل تدمير الهوية والتاريخ العربيين، لتضاف تلك الخسائر الهائلة إلى الخسائر البشرية، التي لا يمكن تعويضها أيضاً، حيث خلفت جرائم «داعش» الإرهابي مقتل الآلاف، بل مئات الآلاف من المواطنين العرب، ودفعت بخيرة الشباب والعقول العربية إلى مغادرة البلاد العربية، واللجوء إلى المنفى، بدلاً من الاستفادة منها في إعمار الدول العربية، وبناء المستقبل.
وأخيراً لا بد من القول نتيجة هذا الواقع المؤسف، إن محاربة الإرهاب وتحديداً تنظيم «داعش»، تبدأ أولاً بالضغط على هذه القوى الخارجية بكل الوسائل الممكنة، لكي تفك ارتباطها غير المعلن مع الإرهاب الذي تزعم أنها تكافح من أجل القضاء عليه، وإلا فإن الإرهاب سيتمدد ويتفاقم خطره، ليشمل دولاً أخرى، ويتنقل من مكان إلى آخر بسرعة، كانتقال النار في الهشيم
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة