فقد راهن ترامب من خلال كلماته ورسائله على القادمين الجدد في الطبقة الوسطى، والذين هم بصدد مغادرة الطبقة الكادحة للطبقة الوسطى
دشن السباق الرئاسي الأميركي الأخير عصر دبلوماسية وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي على مدار الساعة والتسويق والترويج للسيطرة على الجماهير أو إثارتها أو تحفيزها أو كسب تأييديها أو جعلها سلاحاً مباشراً للضغط وإحداث التغيير، فما شهدته الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 هو الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الديمقراطية كنظام للحكم، وكان التنافس على أصوات الجمهور يميل لدونالد ترامب وهو من يملك الملايين من المتابعين على «تويتر» و«فيسبوك» وتوجيه تلك القوة الناعمة بإتقان للتأثير على استطلاعات الرأي العام.
فقد راهن ترامب من خلال كلماته ورسائله على القادمين الجدد في الطبقة الوسطى، والذين هم بصدد مغادرة الطبقة الكادحة للطبقة الوسطى، وهم يمثلون وزناً انتخابياً ثقيلاً كونهم أرادوا التغيير بأي ثمن، وهم عادة من يحركون كل الثورات في العالم بعد أن يخطط لها من يخطط، وتملأ الشوارع بعدها الجماهير المنقادة، وتلك الفئة التي فاز بأصواتها ترامب بالرئاسة الأميركية، وهم من تتجاهل سطوتهم معظم حكومات العالم وتتغافل عن مدى تأثيرهم، وما يمثلون من حراك حقيقي في أي مجتمع.
فقد ولى بلا رجعة عصر سطوة المثقفين والإعلاميين البارزين ومخرجي الأفلام وغيرهم من المنافقين والمنتفعين والمسيرين في تشكيل العقل الجمعي، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي يستطيع أي شخص لديه الكاريزما الإلكترونية توجيه بوصلة الجماهير وخاصة من سن 15 إلى سن 35 سنة، وهم الأغلبية في الشعوب العربية والإسلامية، وليس لديهم وقت للسياسة فهم في سباق حثيث لإثبات ذواتهم وتأمين مستقبلهم، وتعد وسائل التواصل الاجتماعي لديهم من أهم مكونات الفكر والتمكين ومصداقية المعلومة من خلال لغة يفهمونها ويتفاعلون معها بكل إيجابية أو سلبية في وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الهواتف الذكية.
ونقول للحكومات الطامحة في أن تصبح في صدارة الدول في عصر التواصل الإلكتروني إن المنظرين وأصحاب الرؤى غير التقليدية هم أثمن ما تملكون في سباق محموم للعالمية، وقد حان الوقت لتعيين وزير لوسائل التواصل الاجتماعي والتواصل غير التقليدي، وأن تكون وزارة شبابية تعج بالحيوية والأفكار الخلاقة والمبدعة لفهم عالم اليوم وأجيال اليوم، فتلك الطاقات المتجددة هي مكبرات الصوت الحي للمجتمعات الافتراضية، وهم فرسان الهوية الجديدة ودمج الأجيال في بوتقة مفهوم الوطن المعاصر، وماذا ننتظر؟ ومتى سنخلق الأساطير والأبطال الإليكترونيين، وإنْ كانوا نموراً من ورق مدعومون ببرمجة في غاية الدقة والذكاء؟ ومتى سندرك بأنهم الذروة التي ستصل لها المجتمعات الإنسانية؟
فيجب أن لا نستهين بكمية التراجع الحضاري التي تعاني منها مجتمعاتنا الشرقية في كثير من المجالات، وهي مجتمعات لا تزال تُقيّم مكانة الإنسان بلقبه العائلي ومنصبه ولونه ودينه وجنسه، فالطريق طويل للتحضر ولكن ليس مستحيلاً، ولا بد من اتخاذ قرارات جذرية لاستشراف المستقبل بطرق خارجة عن الأطر المقبولة، فأجراس الخطر تدق بقوة، ولم يعد خياراً وضع ما يسد الأذن أو يجدي لمنع وصول الصوت للقلب والعقل قبل الأذن! وكم منا يعلم أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بنى المدرسة قبل المسجد عند وصوله للمدينة مهاجراً من مكة ليسجد العقل قبل أن يسجد الجسد في رسالة ضمنية تدوي ليومنا هذا، ولكن لا حياة لمن تنادي.
والآن أصبح بمقدور الإنسان أن يتعلم ويتأهل ويصل إلى أعلى مراتب العلم وهو جالس في بيته لا يغادره، وأن يتعلم كل الأمور والمهارات عن بعد في نقلة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وأصبحت حتى السياسة تمارس من خلال مواقع تواصل اجتماعي مثل «تويتر»، ولم تعد ثقافات الشعوب سراً كبيراً للغالبية، فكل ما نريد تعلمه عن بعد، يأتي بضغطة زر واحدة، وهل يعقل في ظل كل هذه الثورة المعلوماتية أنه لا يزال العرب والمسلمون غير قادرين على تدشين موقع واحد يصل للعالمية، أو حتى تكون له قيمة محورية في حياة أهل المنطقة، فأي فشل بعد ذلك، وكل نجاحاتنا تتمركز في استخدام ما أنتجه الغير؟!
والرسالة التي يجب أن تصل للمسؤولين هي: غيروا العقول خلف الكراسي، فالعصر تغير، وإما أن يواكبوا العصر، ويكونوا متفوقين في فهم الواقع الجديد، أو يجدوا لهم مهناً أخرى لا تحدد مصير الملايين من السكان، فلتدشنوا عام التنمية الذكية لمواكبة باقي دول العالم المتقدم، قبل أن تصبحوا ضمن المستعمرات الإلكترونية لتلك الدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة