استعراض بسيط يكشف أنّه لا منازع للولايات المتحدة في منطقة نفوذها
كلٌّ، ما عدا لقاء رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب بنظيره الروسي فلادمير بوتين، فيما يخصُّ المشهد السوري، هو حبرٌ على ورق ،لادور لأحد سوى لهذين البلدين في رسم سيناريو نهاية الأزمة المُندلعة منذ نحو سبع سنوات، وراح ضحيتها نحو نصف مليون قتيل وملايين المهجّرين.
ما الذي اتفق عليه بوتين وترامب؟ الأمور تصبّ في أن موسكو تسلّمت بشكل شبه رسمي الأرض السورية من دون منازع، ولكن ما الثمن الذي دفعته الأخيرة لواشنطن؟، الترجيحات توحي بأنّ رأس الميليشيات سيكون كبش الفداء الأول الذي ستعمل موسكو على الاستغناء عنه، سواء قبلت الحكومة السورية ذلك أم لا.
على هامش قمة آبيك في فيتنام تقابل الرجلان، وإنْ على عجل رغم مؤشرات سابقة بأنه لا لقاء بينهما، فما الذي استجدّ لعقد هذا اللقاء السريع؛ خصوصاً وأنّ ثمة لقاءً سابقاً بين الرئيسين تم بموجبه الاتفاق على مناطق خفض التصعيد؟، وهذا ما يرى فيه البعض إنجازاً تجاوز مكتسبات جنيف بجولاته السبعة، وكل الاجتماعات الأخرى الباحثة عن حل للحرب في سوريا.
بعد الإعلان المتكرر من قبل الروس بأنّ الحرب على الإرهاب في سوريا تقترب من نهايتها، وأنّ العمليات العسكرية ستنتهي قريباً، يُضاف إلى ذلك ما وصفته الولايات المتحدة بتلاشي تنظيم داعش المتطرف خصوصاً بعد انتصار حليفتها قوات سوريا الديمقوراطية عليه في مدينة الرقة معقل التنظيم الرئيس هناك.
باتت الأطراف تبحث بشكل جدّي عن تثبيت حصتها على الأرض السورية، لما يملكه هذا البلد من أهمية عبر التاريخ بمركزه الرابط بين ثلاث قارات وثقافات مختلفة، وبموقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي شكّل محور التجارة العابرة بين العديد من بلدان الشرق الأوسط، كما كان العامل الرئيس والوجهة المهمة في تحديد طبيعة العلاقة العربية مع إسرائيل.
استعراض بسيط يكشف أنّه لا منازع للولايات المتحدة في منطقة نفوذها، بدءاً من الرقة وبمحاذاة الشريط الحدودي السوري التركي في الشمال الممتد من عفرين وتل أبيض؛ وصولاً إلى الحسكة ورميلان حيث النفط .
ولكن هل واشنطن عازمة على البقاء في سوريا، ولصالح أي هدف إذا كان العدو الذي بدأت الحرب للقضاء عليه تنظيم داعش المتطرف بات شبه منتهٍ عسكرياً؟.
كل الترجيحات تمضي إلى أنّ واشنطن التي انسحبت من أفغانستان لن تُغامر مجدداً بإبقاء جنودها على الأراضي السورية، خصوصاً أنّ كل الأطراف تهدّد القوات الأميركية باستثناء قوات سوريا الديمقراطية، دمشق تقول إن الوجود الأمريكي احتلال، الجيش الحر غير راضٍ عن دور واشنطن في مسيرة تشكيله ودعمه.
التنظيمات المتطرفة بشتى تسميّاتها تنظر إلى الولايات المتحدة على أنّها العدو الأول على وجه المعمورة.
إذن، ما الذي اتفق عليه بوتين وترامب؟ الأمور تصبّ في أن موسكو تسلّمت بشكل شبه رسمي الأرض السورية من دون منازع، ولكن ما الثمن الذي دفعته الأخيرة لواشنطن؟، الترجيحات توحي بأنّ رأس الميليشيات سيكون كبش الفداء الأول الذي ستعمل موسكو على الاستغناء عنه، سواء قبلت الحكومة السورية ذلك أم لا.
هل يقف الموضوع عند الميلشيات؟، بالطبع لا، فإيران ونفوذها المتنامي في العاصمة دمشق وحلب كذلك، لابدّ أن ينتهي لصالح تعزيز روسيا قوتها عسكرياً، بما يضمن أمن إسرائيل وتوغلها أكثر في القرار السوري المرتبط بمحوره المتمثل بإيران ولبنان، وجزئياً العراق.
السؤال، ماذا عن قوات سوريا الديمقراطية؟، هل ستتخلى الولايات المتحدة عنها؟،معلومات لبوابة العين الإخبارية من شخصيات كردية تقول إنّ واشنطن غير مهتمة بالملف السوري، وغير مأمونة الجانب لصالح مواصلتها دعم المشروع الكردي الباحث في بعض تفاصيله عن حكم ذاتي، ويستدلّون على ذلك بما حدث مؤخراً في إقليم كردستان العراق،هم يتحدثون عن بعض الضمانات من روسيا لصالح بعض الإصلاحات من دمشق باتجاه حقوقهم المسلوبة، كما يقولون، وهذا ما يفسّر تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل نحو شهرين بأنّ ثمّة أموراً يمكن مناقشتها مع الكرد.
كل هذا ليس بعيداً عن اللقاء الخامس للرئيس التركي بنظيره الروسي فلادمير بوتين، في سوتشي، الأخبار المتواترة من لقاء الرئيسين تتحدث عن أنّ الروس يحتاجون الدعم التركي للضغط على المعارضة؛ بغية حضور مؤتمر الحوار السوري في المنتجع ذاته، وهي لم تخيبهم فيما مضى عندما مارست هذا الدور في مؤتمر آستانا، كذلك لابدّ من مقابل تقدمه موسكو لأنقرة وهو الأهم، والأخيرة لا تبحث عن شيء بقدر تخليصها من التهديد الكردي لها في الشمال السوري، وهذا ما تعمل عليه روسيا بالتوافق مع جميع الأطراف بمن فيهم قوات سوريا الديمقراطية.
في النهاية نستطيع القول إن ما طمأنت به موسكو أنقرة، وما تخفيه عن دمشق وطهران ودفعته لواشنطن في سوريا من إبعاد للميلشيات وتقليص النفوذ الإيراني، وضمان مستقبل الأكراد السياسي، ومايُضاف إليه من ليونة فيما يخصّ الملف الأوكراني، كفيل بتنصيب بوتين شُرطياً وحيداً على الأرض السورية يحدّد مناطق النفوذ، ويرسم شكل التسوية السياسية المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة