استحضرت بولا شيئاً واحداً وهي تجلس أمام رئيس وزراء بلادها، هو أنها تمثّل لبنان بكل أطيافه أمام العالم.
قلّل كثيرون من شأن الحوار الذي أجرته الزميلة بولا يعقوبيان مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، على قناة المستقبل قبل حدوثه. لكن الحوار وما جاء فيه فاجأ الجميع، بمن فيهم الرئيس ميشيل عون الذي تراجع جزئياً عن تصريحاته التي أطلقها في لحظة غاضبة على ما يبدو قبل الحوار ، وعزا جزءاً مما جاء على لسان الحريري إلى نجاح الحملة على السعودية.
اللقاء كان مباشراً ومن منزل الحريري في الرياض، وكان جريئاً بكل المقاييس، خاصة وأن الزميلة المحاورة لم تلتزم إلا بمعايير العمل الصحفي الخالي من القيود، كل القيود.
الحريري أجاب على أسئلة بولا الصادمة بإجابات صادمة لكثيرين في الداخل اللبناني قبل الخارج.والأكيد الآن أن الرجل يزن الكثير بشخصه ومركزه السياسي والشعبي، وعلاقاته الداخلية والخارجية بعكس ما رُوِّج له مؤخراً، والأكيد أيضاً أن اللبنانيين افتقدوا شيئاً مهماً بهذه الخطوة واستشعروا شيئاً عظيماً.
بولا يعقوبيان مثّلت كل اللبنانيين في ذلك الحوار، مثّلت الفرقاء والشركاء، المعارضة قبل الحكومة. وهذا تقتضيه ظروف وتفاصيل المرحلة السياسية اللبنانية الراهنة.
استحضرت بولا شيئاً واحداً وهي تجلس أمام رئيس وزراء بلادها، هو أنها تمثّل لبنان بكل أطيافه أمام العالم، جسّدت المعنى المجرّد والمباشر للصفة التي تلازم مهنة الصحافة، السلطة الرابعة.
كانت قاسية على رئيس وزراء بلادها بحجم قساوة المشهد اللبناني الراهن. لدرجة اضطّر معها الحريري للدفاع عن موقفه أكثر من مرة أمام السلطة الرابعة، ولم يخفِ امتعاضه من جرأتها.
لكن جرأة بولا وقسوتها كانت مبررة إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الفراغ الذي أحدثه موقفه الأخير في المشهد السياسي، خاصة وأن البلاد مقبلة على استحقاق تشريعي.
هذا اللقاء أكد في تقديري، ما لم يكن أحد يقدر على التصريح به في لعبة السياسة اللبنانية، وأعني ذلك الستار الذي كان يغطي حقيقة الصراع الإقليمي في لبنان، ودائماً ما كان حديث ساسة لبنان تلميحاً لا تصريحاً، لكن ذلك كان مرهوناً بشأن لبنان الداخلي فحسب.
الحريري أجاب على أسئلة بولا الصادمة بإجابات صادمة لكثيرين في الداخل اللبناني قبل الخارج، والأكيد الآن أن الرجل يزن الكثير بشخصه ومركزه السياسي والشعبي، وعلاقاته الداخلية والخارجية بعكس ما رُوِّج له مؤخراً، والأكيد أيضاً أن اللبنانيين افتقدوا شيئاً مهماً بهذه الخطوة واستشعروا شيئاً عظيماً.
افتقدوا الاستقرار السياسي الذي نجح الحريري في صياغة معادلته خلال الفترة الماضية، ولا يزال يمسك بسر نجاحها النسبي، واستشعروا خطورة زواله دون أن يقدِّروا أن الخطر لم يكن بعيداً عنهم طوال الوقت، بل كان يتوارى خلف ذلك الاستقرار مباشرة، وكان يلازمه كالظل بحسب زعيم تيار المستقبل. و قد عانى اللبنانيون عدم الاستقرار وويلاته طويلاً..
ما يمكن استنتاجه من خطوة الحريري وما رافقها من ملابسات، وانتهاءً عند هذا اللقاء التلفزيوني الجريء أن الرجل كان يقاوم منفرداً شيئاً كبيراً وما زال يقاوم لاحتوائه داخلياً، وقد ظهر عليه التأثر أثناء حديثه.
إلا أن الأمر خرج عن سيطرته باعترافه حين تحوّل الأمر لاستجابة عملية من أحد الفرقاء، وانسجام مع تدخلات إيران المباشرة في شؤون دول المنطقة بطريقة باتت تهدّد مصلحة لبنان العليا، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن واستقرار أشقاء لبنان، فلم يكن أمامه إلا أن يلجأ لتوظيف صلاحياته السياسية المؤثرة، محاولاً تدارك ما يمكن تداركه لإعادة إنعاش التسوية السياسية الإقليمية والداخلية.
وكدليل على حسن النية قدّم مبادرة مشروطة مفادها التراجع عن الاستقالة والدخول في مشاورات مع بقية الفرقاء، وعلى رأسهم حزب الله، شريطة أن يحترم الحزب مبدأ النأي بالنفس عن أي تدخل في شؤون الغير.
خلاصة القول إن الحريري نجح إلى حد بعيد في الاعتذار عبر استقالته للسعودية ودول الخليج، ونجح عبر اللقاء في وضع اللبنانيين أمام حقيقة المشهد وملابسات استقالته، وقطع الشك باليقين حول موعد عودته القريبة، الأمر الذي يفسّر قطع قنوات محلية بث مقابلة الحريري، ما يعني أنه لم يعجبها حديثه العفوي حول أن لبنان في خطر يتهددها من الداخل، وقد يقود إلى احتمال فقدانه أشقاءه وشركاءه الداعمين له، وعلى رأسهم السعودية.
هذا بالإضافة إلى أن بعض مَنْ يمتلكون تلك المحطات أمعنوا في النَيْل من الحريري، ومن خطوته ومن السعودية منذ خطاب الاستقالة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة