مشاركة الأكراد بمعركة الرقة.. صدام أمريكي تركي وشيك
العلاقات الأمريكية التركية تتجاذب عند تناول الأزمة السورية، فالاثنان يتفقان على محاربة الإرهاب لكنهما يختصمان عند التعامل مع الأكراد
تتجاذب العلاقات الأمريكية التركية وتتباعد عند تناول الطرفين للملف السوري، فكلا من واشنطن وأنقرة يتفقان على محاربة الإرهاب وإقامة مناطق آمنة في الشمال السوري، لكنهما يتباعدان ويختصمان، عند التعامل مع ملف الأكراد ودورهم في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي خاصة في مدينة الرقة السورية ـ التي يتخذها التنظيم عاصمة له في سوريا.
بالأمس كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الستار عن أبرز بنود خطة وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" لتحرير مدينة الرقة، وتدور تلك البنود حول زيادة المشاركة العسكرية الأمريكية في سوريا، بما يشمل زيادة قوات العمليات الخاصة بجانب المروحيات الهجومية والدفاعية، بالإضافة إلى منح الإمدادات العسكرية للقوات العربية والكردية المقاتلة على الأرض.
الدعم الأمريكي للأكراد.. بيت رعب للأتراك
المزيد من الدعم الأمريكي لحلفائه الأكراد في سوريا، قد تعتبره تركيا تحديا لقدراتها العسكرية، فأنقرة أوضحت أكثر من مرة عن عزمها المشاركة في تحرير الرقة من سطوة "داعش" هي والقوات العسكرية السورية التابعة لها مثل الجيش السوري الحر، ولعل قيامها بتحرير مدينة "الباب" السورية من يد التنظيم الإرهابي مؤخرا هي محاولة لإرسال رسالة إلى حليفها الأمريكي بالا يقلل من قدراتها في حال أراد محاربة "داعش" في سوريا.
وتدخلت أنقرة عسكريا وبشكل مباشر في الأزمة السورية منذ أغسطس الماضي لتحقيق عدد من الأهداف مثل محاولة صد "داعش" عن الحدود السورية التركية، وإنشاء مناطق عازلة للحد من تدفق اللاجئين السوريين، وكان أهم تلك الأهداف هي عزم أنقرة على منع أي محاولات للأكراد من تأسيس الدولة الكردية، أو على الأقل إنشاء مناطق حكم ذاتي لهم على حدود تركيا.
والإدارة الأمريكية سواء السابقة أو الحالية على علم تام بالمخاوف التركية من تطلعات الأكراد الانفصالية، ولعل أبرز أسباب تذبذب العلاقات الأمريكية التركية، كان يرجع إلى دعم أوباما للفصائل الكردية مثل "قوات سوريا الديمقراطية" التي اعتبرها حليف يمكن الوثوق في قدراته لمحاربة "داعش".
وفي هذا الصدد يشير محللون إلى أن الدعم الأمريكي لـ "سوريا الديمقراطية" وعدم فعل نفس الشيء تجاه قوات "درع الفرات"، التي تقودها تركيا في سوريا، كان من أهم الأسباب لتهديد أنقرة بإغلاق قاعدة أنجرليك التركية التي تستخدمها طائرات التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
الجدير بالذكر، أنه رغم مرور ما يقارب سبعة أشهر على انطلاق عملية "درع الفرات"، ورغم الدعوات التركية المتكررة لواشنطن بدعم قواتها، إلا أن الأخيرة لم تستجيب لها إلا في يناير، عندما أعلن التحالف الدولي أنه شن 4 غارات في شمال سوريا دعماً للعملية العسكرية التركية لاستعادة مدينة الباب من "داعش".
وفي فبراير الماضي، أعلنت تركيا عن انتزاعها مدينة الباب من أيدي التنظيم، ورغم ذلك اعتبرت تركيا أن استعادة السيطرة على الباب غير كافية لتحقيق أهدافها؛ ولهذا أعلن أردوغان أن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ستقيم منطقة آمنة مساحتها 5000 كم، ولتحقيق ذلك تحتاج تركيا إلى أن تتوغل في الرقة ومنبج.
وفي هذا الإطار وجهت أنقرة تحذيرا إلى الأكراد بالانسحاب من "منبج"، وإزاء ذلك وافق المجلس العسكري لمنبج الذي يعد جزءا من قوات سوريا الديمقراطية على تسليم مناطق غرب المدينة إلى القوات الحكومية السورية، مما فتح الباب أمام الاعتقاد بان الأكراد سيسلمون "منبج" إلى قوات "الأسد"، وهو الأمر الذي تسعى تركيا لتجنبه، لأنه يدق قواعد الخلاف بين أنقرة وموسكو.
مسارات ترامب
ورغم اعتقاد البعض أن ترامب قد ينحى مسارا مختلفا تماما عن سلفه أوباما فيما يتعلق بالأزمة السورية، خاصة فيما يخص المناطق الآمنة وزيادة الوجود العسكري الأمريكي، إلا أن ترامب يرى أن استثمار إدارة أوباما في دعم الجيش السوري الحر المعتدل كان إسرافا، حيث قال بعد وقت قصير من انتخابه "ليس لدينا فكرة من هم هؤلاء"، ويرى أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة بدلا من دعم المعارضة المعتدلة التي تقاتل بشار الأسد أن توجه كل جهودها لقتال داعش وهزيمته.
في حين لم يمانع ترامب دعم الأكراد الذين يحاربون "داعش" واستطاعوا تحقيق تقدم في عدد من الأراضي التي كان يستولي عليها التنظيم في الشمال السوري، كان أخرها تقدم "قوات سوريا الديمقراطية" في مثلث المكمن – دير الزور – الرقة، حيث تسعى هذه القوات إلى قطع الطريق الواصل بين مدينتي الرقة ودير الزور، ضمن إطار عملية "غضب الفرات" التي تسعى لعزل مدينة الرقة عن ريفها تمهيداً للسيطرة عليها وطرد التنظيم منها.
ينظر الأتراك إلى إستراتيجية ترامب المقبلة حول تحرير الرقة، ومَن مِن حلفائه سيعتمد عليهم في ذلك الأتراك أم الأكراد، إلى أنها ستكون محور لعلاقات البلدين.
ولتتفادى أي أزمة بين أنقرة وواشنطن، دعا الباحثان "جيمس جيفري" و"سونر جاغايتاى" في دراسة لهما على نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إدارة ترامب لتأجيل حسم الاعتماد على الأتراك أم الأكراد إلى ما بعد الاستفتاء التركي في إبريل المقبل.
حيث يرى الباحثان، أن اعتماد واشنطن فقط على "قوات سوريا الديمقراطية" ليس مغريا، فقوام تلك القوات ليس كبيرا بالرجة الكافية، كما أن الاعتماد فقط على الأتراك والجيش السوري الحر لن يحسم المعركة، خاصة وأنهما خرجا منهمكين من معركة "الباب".
واعتبرا الباحثان أن أردوغان ورغم خلافاته الكبيرة مع بعض الأطراف إلا انه لا يمانع المصالحة مع خصومه، ومن ثم فهما لا يستبعدان اتجاهه للمصالحة مع "عبد الله اوجلان"، زعيم "حزب العمال الكردستاني" القابع في السجون التركية، كما فعل قبل ذلك.
وباعتباره القائد الديني الأكثر إجلالاً للحركة القومية الكردية في تركيا وسوريا، يتمتع "أوجلان" بتأثير كبير على "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب"، وهي فرع من "قوات سوريا الديمقراطية"، ويتمتع بالحافز لجمع الطرفين على طاولة المفاوضات مع أردوغان، كما فعل من قبل.
ويستخلص الباحثان أن إجراء تلك المصالحة ممكنة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى استفادة الولايات المتحدة من الأتراك والأكراد معا في معركتها القادمة في الرقة.