زلزال سوريا.. 6 أشهر بلا عقوبات أمريكية هل تمحو آثار الكارثة؟
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مؤقت، بهدف إيصال مساعدات إلى المتضررين من الزلزال في أسرع وقت ممكن.
وأثار متابعون سؤالا بشأن هل تكون الأشهر الستة التي سترفع فيها واشنطن العقوبات عن سوريا كافية لإغاثة سوريا وترميم آثار الدمار الهائل للزلزال الذي ضرب مناطق بشمال سوريا فجر الإثنين الماضي، وأسقط آلاف القتلى والمصابين، كما تهدمت مئات الأبنية.
وبحسب بيان للوزارة الأمريكية فإن هذا الإجراء يسمح لمدة 180 يوما بجميع الصفقات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة بموجب العقوبات المفروضة على سوريا.
وأشارت إلى أن برامج العقوبات الأمريكية تتضمن أساسا استثناءات للعمليات الإنسانية.
وأرسلت واشنطن فرق إنقاذ إلى تركيا، فيما تقدم المساعدة في سوريا عبر شركاء محليين.
نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال في تصريحات للصحفيين: "نحن فخورون بالانضمام إلى الجهود العالمية لمساعدة تركيا مثلما سبق أن ساهمت تركيا في كثير من الأحيان عبر خبرائها في عمليات الإنقاذ الإنساني لدول عدة أخرى".
وقال برايس "ندعو الحكومة السورية إلى السماح فورا بدخول المساعدات عبر كل المراكز الحدودية والسماح بوصول المنظمات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين بلا استثناء".
وعقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الإثنين الماضي، أعلنت الولايات المتحدة تقديمها مساعدات قيمتها 85 مليون دولار إلى البلدين، مع تعليق مؤقت لبعض العقوبات المفروضة على دمشق.
وأكدت واشنطن، أمس الخميس، أن التمويل سيُسدّد لشركاء على الأرض "بهدف تقديم المساعدة الطارئة الضرورية إلى ملايين الأشخاص".
لا يشمل النفط أو المعاقبين
وقال النائب الأول لوزير الخزانة، أديوال أدييمو: "في الوقت الذي يتحرك فيه الحلفاء الأجانب والشركاء الإنسانيون لمساعدة المتضررين، أريد أن أوضح أن العقوبات الأمريكية على سوريا لن تعرقل الجهود المبذولة لإنقاذ حياة السوريين".
وأضاف أن العقوبات الأميركية ضد سوريا كانت تنطوي في السابق على عدد من الاستثناءات المتعلقة بتقديم المساعدة الإنسانية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
وأوضح أدييمو أن الترخيص الممنوح لا يغطي الإجراءات المتعلقة ببيع النفط السوري والمنتجات البترولية في الولايات المتحدة، كما أنه لا ينطبق على الأشخاص الذين أشارت السلطات الأمريكية إلى ممتلكاتهم سابقا على أنها "ممتلكات محظورة".
قانون قيصر
أعاد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا إلى الواجهة قضية تواجهها سوريا منذ سنوات؛ وهي الوصول إلى المساعدات الخارجية.
إذ يعد إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة من الزلزال في سوريا معقدا للغاية، بسبب الحرب الأهلية التي تركت البلاد مقسمة إلى ثلاثة أجزاء تقريبًا: المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وجزء تسيطر عليه القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وجيب يسيطر عليه المتطرفون في الشمال الغربي.
وضرب الزلزال مواقع في الأجزاء الثلاثة؛ خاصة حلب وإدلب وحماة واللاذقية وطرطوس، وكذلك دمشق التي شعر سكانها بالهزة، ما عقّد عملية الاستجابة الإنسانية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي واللوجستي الصعب.
كما أن الجيب الذي يسيطر عليه متطرفون هو النقطة الأضعف في مسار وصول المساعدات إلى سوريا، لأن المساعدات تمر عبر معبر واحد "باب الهوى" وتحتاج إلى موافقة تركيا.
السلطات السورية من جانبها تقول إن هناك سببا آخر لصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الزلزال في سوريا؛ وهو "قانون قيصر".
ففي عام 2020، صدّق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، الذي ينص على فرض عقوبات على دمشق.
ويفوض القانون الإدارة الأمريكية، لفرض عقوبات على كبار المسؤولين والقادة العسكريين في الحكومة السورية والشركات والأطراف التي تدعم الحكومة، على خلفية اتهامات بـ"ارتكاب جرائم بحق المدنيين".
وأطلق على القانون اسم "قيصر"، على اسم المصور العسكري السوري السابق الملقب بقيصر، الذي انشق وهرّب الآلاف من الصور الفوتوغرافية التي قال إنها تعود لضحايا تعرضوا للتعذيب.
لكن تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، رفض دعوات سوريا إلى رفع العقوبات، ووصفها بأنها "انتهازية سياسية".
وأضاف أن العقوبات ضمن قانون قيصر، "ليس لها أي تأثير في تقديم المساعدة" لمواجهة آثار الزلزال.
معوقات أمام المساعدات
وقال مارك لوكوك، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة: "تركيا الآن غارقة تمامًا في التعامل مع شعبها ومساعدته، ولا يمكننا أن نتوقع بشكل واقعي إعطاء الأولوية لتسهيل مساعدة السوريين".ويعتمد تسليم المساعدات إلى هذا الجيب على تصويت مجلس الأمن الدولي لتمديد تسليم المساعدات عبر معبر باب الهوى كل ستة أشهر، وسط تخوف روسي وسوري من أن المساعدات يمكن أن تمثل انتهاكا لسيادة الدولة السورية، أو تستخدم لتمرير أشياء أخرى غير المساعدات الإنسانية.
وبعد الزلزال تضررت الطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى بشدة وتعطلت الاستجابة عبر الحدود، وفق ما نقله مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن مصادر محلية.
وتقول المصادر إن الطريق الذي يربط مدينة غازي عنتاب بنقطة العبور إلى سوريا يقع في واحدة من أكثر المناطق تضررًا بالزلزال، ولا يمكن الوصول إليه حاليًا.
وبخلاف أزمة المعبر وتضرر الطريق المؤدي إليه، هناك مشكلة أخرى تكتنف المساعدات إلى إدلب في قلب الجيب الخاضع لسيطرة متطرفين، إذ تقول المنظمات غير الحكومية التي اعتادت تمرير المساعدات لهذه المنطقة لسنوات، إن التبرعات تضاءلت منذ فترة، وتحول الاهتمام إلى أماكن أخرى، خاصة بعد بداية الحرب في أوكرانيا العام الماضي.
اتهامات سورية.. و"نجدة" عربية
إذ ألقت الخارجية السورية باللوم بشكل مباشر على قيود قانون قيصر في صعوبة إيصال المساعدات للمناطق المتضررة، وقالت الثلاثاء الماضي إن السوريين كانوا يلجؤون إلى "الحفر في الأنقاض باليد في بعض الأحيان، لأن أدوات إزالة الأنقاض ممنوعة عليهم".
وتابعت أن "السوريين يستخدمون أبسط الأدوات القديمة لإزالة الأنقاض، لأنهم معاقبون من قبل الأمريكيين الذين يمنعونهم من الحصول على الإمدادات والمعدات اللازمة".
والثلاثاء الماضي أيضا، دعا مدير الهلال الأحمر السوري خالد حبوباتي، إلى رفع العقوبات "لمواجهة آثار الزلزال المدمر".
وقال حبوباتي إن سوريا بحاجة إلى آليات ثقيلة وسيارات إسعاف وعربات إطفاء لمواصلة عمليات البحث والإنقاذ وإزالة الأنقاض، مضيفا أن "الأمر الذي يتطلب رفع العقوبات عن سوريا في أسرع وقت ممكن".
ومضى قائلا "نحن على استعداد لإرسال قافلة مساعدات إلى إدلب".
في المقابل، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن مجموعة العقوبات الأمريكية، المعروفة باسم قانون قيصر، تهدف إلى إجبار الحكومة على وقف انتهاكات حقوق الإنسان ولا تستهدف المساعدة الإنسانية للشعب السوري أو تعرقل أنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا.
وبعيدا عن جدل قيصر، واتهامات سوريا وردود الإعلام الأمريكي، تلعب دول عربية، أبرزها الإمارات العربية المتحدة، الدور الأكبر في مد يد العون للشعب السوري المتضرر من الزلزال.
وشملت المساعدات الإنسانية الإماراتية في المرحلة الأولى 12 طنا من المواد الإغاثية وعددا من الخيم لإيواء 216 لاجئا.
كما أرسلت مصر إلى سوريا 3 طائرات تحمل مساعدات إنسانية وطبية، إضافة إلى وصول فريق إغاثة إلى شمال حلب.
ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتسيير جسر جوي وتقديم مساعدات صحية وإيوائية وغذائية ولوجستية لتخفيف آثار الزلزال على الشعب السوري.
وفي الجزائر، أعلنت الحكومة إرسال فريق مساعدة من الدفاع المدني، للمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة بالإضافة إلى مساعدات طبية إلى المناطق المتضررة في سوريا.