روعة سنبل لـ"العين الإخبارية": أكتب بريشة الخيال على أرض الواقع
جائزة الشارقة للإبداع ترسم مسيرة الكاتبة السورية روعة سنبل في سبيل تأكيد حضورها الأدبي عربيا.. ماذا قالت لـ"العين الإخبارية"؟
تري القاصة والروائية السورية روعة أحمد سنبل أن الحياة الثقافية والأدبية في سوريا تعكس الواقع السوري، من انقسام وتناحر، بسبب ما أسمته بـ"السنوات العجاف" التي غيّرت كثيراً من ملامح الحركة الثقافية، وتشير إلى أن فوز مجموعتها القصصية "صياد الألسنة" بجائزة الشّارقة للإبداع العربي 2017 أعطاها دفعة كبيرة في تجربتها مع الكتابة.
وتؤكد روعة سنبل في حوارها مع "العين الإخبارية" مع ذلك أن الكثير من الجميل المختلف يُنتَج في السنوات الأخيرة، وأن الحضور السوري ما زال ملفتاً في كل المحافل الثقافية.
ماذا عن البدايات الأولى في عالم الكتابة والإبداع؟
قبل أن أتمكن من القراءة كنت طفلةً تحسن الإنصات لكل ما يُروى، حكايات الجدات وحكايات النّاس وحكايات الأشياء، وقبل أن أتمكّن كما يجب من الكتابة، أتذكّر تماماً أنني كنت أحبس في رأسي شخصيات الحكايات التي أسمعها، أستمتع بتعديل ملامحها، أو تغيير مصائرها، مع الوقت صرت قادرة على ابتكار شخصيات أخلقها أنا وأنسج لها حكاياتها، ثمّ جاءت الكتابة.
كيف تقدّمين للقرّاء مجموعتك القصصية "صياد الألسنة" التي فازت بجائزة الشّارقة للإبداع العربي2017؟
المجموعة جرعة صغيرة مكثّفة من 12 قصة في كتاب نحيل، حرصت فيها على التنوّع من حيث الشّخوص والحكايات والتّقنيات المستخدمة، لكنّها إجمالاً مرسومة بريشة الخيال على خلفيّة شديدة الواقعية، في عوالم مجموعتي كلّ شيء ممكن الحدوث، ليست عوالمها بالضرورة أكثر سعادة، لكنّها بالتأكيد مفتوحة على فضاءات أرحب، الأرض في قصصي ليست كرويّة، ظلالنا كائنات مستقلة عنا، ثمّة رجل يصيد ألسنة الحالمين، وجنيّة أسنان تقطف نهود النّسوة المصابات بالخبيث، تتسلّق ربة منزل شجرة فاصولياء لتطلّ من علٍ على مدينتها التي تأكلها الحرب، وتغوي ليلى بردائها الأحمر ذئباً.
ماذا يمثل الفوز بالجائزة لك؟
جائزة الشارقة هي الخطوة الأولى التي حلمتُ أن تكون بداية مسيرة أطمح إليها، التقدّم للجائزة جاء ضمن خطة وضعتها لنفسي، كنت وما زلتُ أرى الشارقة محطّة جميلة ومهمة للانطلاق، أحاول الوصول لتوازن يجعلني أعتبر الفوز بها دافعاً نحو المزيد، لا مسؤولية تثقل الكاهل.
من أين استوحيتِ أفكار قصص هذه المجموعة؟
من اليومي الذي عايشته لسنوات بحكم عملي كصيدلانيّة، تتيح مهنتي احتكاكاً مباشراً بالناس وهمومهم وأوجاعهم، من أحلامي الكثيرة التي أراها وأصدّقها، من مطبخي، من شوارع دمشق الحزينة، وعيون ناسها المتعبين، من يومياتي مع طفلتيّ، من حكايات الصّغار التي أرويها لهما.
أي هاجس تعكسينه من خلال الكتابة؟
يبدو أنّ الانعتاق هاجسي في كتابتي في هذه المرحلة. في منتصف الكتاب ثمة قصّة صغيرة بعنوان "انعتاق"، وتتوزّع باقي القصص حولها، تفتتح المجموعة ربة منزل حزينة، تجد في تقطيع البصل طريقة بسيطة لتتحرر من حزنها، ويختتم الصفحات رجل ينعتق من سكون موته ليرتكب جريمة، وبينهما شخصيات تجمع بينها رغبة في الانعتاق: من العجز، من عبء تجارب الماضي، من القمع، ومن سطوة الموروث بعقائده وحكاياته.
من يقرأ المجموعة يتحسس لسانه مراراً بعد قراءتها خشية أن يكون فريسة الصدأ واليباس، ويجدها حافلة بالأسرار الإنّسانية الدافئة، هل عملت على أن تتسم قصص المجموعة بالتشويق؟
لا أحفل كثيراً بالتشويق، وزجّ القارئ عنوة في النص، قصصي بمجملها هادئة، أعنى أكثر بنفخ الروح في القصص، أؤمن أنها حين تملك روحاً تستطيع هي أن تمسك برقّة بيد القارئ، تستدرجه بهدوء ليلجها ويتورط فيها، ويتحسس دفئها.
في أغلب إبداعاتك القصصية يلوح الحلم كتيمة مركزية، هل كابوسية الواقع هي التي تدفع المبدع فيك نحو مرافئ الحلم هربا؟
الحياة بخيلة أحياناً، فلا نصيب لبعضنا بالسّعادة إلا في أحلامه، قد يطال القمع أحلامنا أحياناً، وقد يحدث أن يبدأ التحرر من نيره بحلم، دفعت بأبطالي نحو الحلم لأنني شخصياً امرأة حالمة، أعيش كأنّني أحلم، وأكتب كأنني أحلم، أؤمن أننا هناك في أحلامنا نشبهنا أكثر، نخلع زيفنا، نكون نحن برغباتنا، بمخاوفنا، بإنسانيتنا عارية كاملة.
بدأت مسيرتك بكتابة القصة القصيرة ثم انتقلت إلى عالم الرواية.. هل كانت كتابة القصة نوعا من التدريب سعيًا لكتابة الرواية؟
لن أعتبر كتابة القصة يوماً تدريباً أو تمهيداً لكتابة الروايات، ما زلت مخلصة للقصة القصيرة قراءة وكتابة، وأعتقد أنّها ستبقى ملعبي المفضل، يغريني فيها حضورها المكثف الموجز، الذي يمنحني متعتين، الأولى أثناء كتابتها، تشذيب السطور لا يضاهيه متعة بالنسبة لي، أكتب، ثم أقرأ وأشطب باستغراق ممتع، يشبه استغراق ربة منزل في استبعاد الحصى من العدس (أستعير هذا التشبيه اللطيف من قصة لغاليانو)، والمتعة الثانية أثناء قراءتها، تسرّني الثقة الكبيرة التي توليها القصّة لقارئها، حين تقول غالباً ما يكفي فقط لإثارة فضوله وخياله ثم تفلت يده بثقة تاركة الباقي له.
ما رأيك في أن المعركة بين القصة والرواية لا تزال محتدمة؟
لكل من الجنسين أغراضه، ومع ذلك فالمعركة موجودة، تعاني القصة القصيرة من قلة روادها نسبياً خاصة في جيل الشباب القارئ اليوم، مما يجعل كثيراً من الكتّاب ينصرفون عن كتابتها.
ما رأيك بالقصة القصيرة جدا والتي بدأت تشهد رواجا عربيا ؟
القصة القصيرة جداً فن جميل، لا أكتبه، لكنني أقرؤه، مهمة القصة القصيرة شاقة جداً، أن تقول الكثير بالقليل ليس أمراً هيناً، ما يؤسفني هو استسهال هذا الفن، وتخوض القصة القصيرة بسبب شقيقتها ال (ق ق ج) منافسة لافتة، إذ ينحسر وجودها الافتراضي أمام المدّ الكبير من كتّاب القصيرة جداً في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث الجمهور رواد مستعجلون راغبون بجرعات سريعة من القراءة.
ماذا عن روايتك الجديدة؟
الرواية موجهة للناشئين، البطلتان فتاة في الخامسة عشرة وأخرى قرينة لها هي طيف أزرق مستنسخ عنها، الحرب خلفية بعيدة، بينما يتوازى عالمان واقعي ومتخيّل، تنتقل الفتاتان بينهما.
هل هناك ثمة علاقة بين كتاباتك وحياتك؟
نعم هناك علاقة، ألخّصها هكذا: أعيش، أقرأ، ثمّ أكتب. أولاً أعيش الحياة بشغف، أرشف حكاياتها على مهل، أمضي في كل تجربة حتى نهايتها، وأنصت لتجارب الآخرين بانتباه، أنصت لقلوبهم كي أمنح قصصي نبضاً.
ثانياً أقرأ الكتب بشغف، لم أكن يوماً قارئة سلبية، أفتّش دوماّ عما بين السّطور، أنتبه لخيارات الكاتب، وتبقى أغلب الشخصيات حية في رأسي، وأخيراً أكتب، أتواجد في بعض قصصي، أرتدي أقنعة أحياناً، وأظهر سافرة جليّة أحياناً أخرى.
هناك أديبات يصرحن بوجود معاناة وتهميش للمجتمع لهن مقابل سيطرة الأدب الذكوري.. هل هذا هو الواقع فعلا؟
مجتمعاتنا ذكورية بامتياز، بمباركة من الأعراف والأديان والقوانين، فمن الطبيعي أن تسم الهيمنة الذكورية الأدب أيضاً، لا أرى أن هناك تهميشاً بمعنى الكلمة، لكن فكرة المرأة الكاتبة ما زالت مثيرة للاستغراب حتى في مجتمع شبه منفتح كالمجتمع الذي أنتمي إليه، ما أعاني منه هو إسقاط الآخرين لكل ما أكتب عليّ، أتعرض لكثير من الغمز واللمز والأسئلة والتحقيقات حول قصصي، خاصة تلك التي تكفّل بحكيها الراوي الذاتي، فجاءت بضمير المتكلم.
هل هناك مناطق محظورة في كتاباتك؟
نعم، لكنني أجدها لعبة تحد مشوّقة، أتحايل كثيراً عليها، بحسب قصصي أن تقترب وتومئ، ألتفّ وأخاتل وأكنّي وأستعير، ألجأ للتخييل أحياناً، وأقتصد في الكلام أحياناً أخرى، أثق بقدرة اللغة على الإيحاء حين يستعصي التحديد، وأراهن على قارئ يتواطأ معي، يلتقط الإشارات ويكمل النصوص، لنحوم معاً حول حمى المحظور، إن كنا نخشى أن نطأه، نعتني الكثيرون ممن قرؤوا مجموعة الشارقة بالجرأة، هذه الجرأة نفسها كانت سبباً في جعل مقص الرقيب يتدخل في مجموعتي، فيحذف قصة كاملة، ويعبث بملامح كتابتي عبثاً طال أغلب القصص، ففقدت مجموعتي بعضاً من روحها، تماماً كما فقدت عنوانها الأصلي "حملٌ هاجِر".
كيف تقيمين الأوضاع في سوريا حاليا ؟
يصعب على أحد أن يقيّم الأوضاع الآن، الأمور على درجة عالية من التعقيد والدّروب في الخلف محترقة، لم يعد يهمني تقييم الأمور ولا البحث عن حقيقتها، كل ما أفعله أنني أراقب بأسى كيف تغيرنا إنسانياً، صرنا نحن "ناس الحرب"، أو "سكان بلاد الأشياء الأخيرة" حسب بول أوستر، منشغلون بأنفسنا، أبصارنا كليلة، نطيل النظر فقط للأسفل حيث تطأ أقدامنا تماماً، كل ما يحدث يجعلنا أكثر انشغالاً من التفكير في خطوة أخرى للأمام، وأكثر إنهاكاً من التراجع للخلف.