إن عاد داعش هل سيعود كما كان؟ بالتأكيد لا، فعودته ستكون بشكل جديد أكثر تأقلماً وتطوراً، معتبراً من إخفاقات تجربته السابقة
وها هو العالم يستفيق الآن من نشوة انتصاره العسكري على تنظيم داعش في العراق وسوريا في مارس العام الجاري، هذه الاستفاقة دلت على أن الانتصار العسكري على داعش والذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأشهر الماضية لا يعدو عن كونه انتصاراً هشاً، فالعمليات العسكرية رغم قُدراتها وتكلفتها الباهضة لا تكفي وحدها لدحر الإرهاب، فها هي الظروف تتهيأ لشبح تنظيم البغدادي ليبعث من الأرض نفسها التي شهدت صعوده وهزيمته، ببساطة.. هكذا، وكأن جهود العشرات من الدول التي تحالفت والمئات من الغارات الجوية والآلاف من القتلى والملايين التي صرفت لم تكن نتيجتها سوى إبرة منومة.. انتهى مفعولها بسبب السياسة الأمريكية، والأطماع التوسعية العُثمانية لأردوغان.
ها هو البغدادي يستعد لتلقي هديته الأغلى التي يقدمها له أردوغان في الشمال السوري، بعد سحب واشنطن جنودها الذين كانوا متمركزين مع الوحدات الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت رأس الحربة في مواجهة داعش في معاركه الأخيرة، وها هو أردوغان يدير أذنه الصماء بعجرفته المعهودة للإدانات العربية والدولية.
ميدانياً تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على السجون التي تحوي على ما يقارب من ١٢ ألف مقاتل من داعش، الذين يحتمل أن يجدوا لأنفسهم طريقة للمفر، سواء خلال انشغال الأكراد برد العدوان التركي، أو بتسهيل من تركيا التي سهلت تهريب المقاتلين الأجانب قبل ذلك إلى سوريا، أو من خلال أي طرف يجد في خلط الأوراق في المنطقة مصلحة له، وميدانياً يرى أردوغان من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) حليفاً من شأنه أن يساعدها في هذه المعركة تحت ذريعة "جهاد المُرتدين"، وكعادة أردوغان سيقدم باقة من الذرائع العرقية والدينية والأمنية في سبيل تبرير مثل هذا العدوان.
ها هو البغدادي يستعد لتلقي هديته الأغلى التي يقدمها له أردوغان في الشمال السوري بعد سحب واشنطن جنودها الذين كانوا متمركزين مع الوحدات الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت رأس الحربة في مواجهة داعش في معاركه الأخيرة، وها هو أردوغان يدير أذنه الصماء بعجرفته المعهودة للإدانات العربية والدولية
ولا يمكن ذكر عودة داعش دون النظر إلى المشهد العراقي الذي يتشابه في كثير من ملامحه مع الحالة العراقية السابقة، التي سهلت من سيطرة داعش على الموصل وأجزاء كبيرة من الأراضي العراقية، فالفساد الحكومي وتسلط المليشيات الطائفية وقمع الحراك المدني والخضوع للإملاءات الإيرانية في العراق يشير إلى أن الأمر سيؤدي في نهاية المطاف إلى سيطرة داعش على ثلث العراق!
وهنا يطرح التساؤل المهم.. إن عاد داعش هل سيعود كما كان؟ بالتأكيد لا، فعودته ستكون بشكل جديد أكثر تأقلماً وتطوراً، مُعتبراً من إخفاقات تجربته السابقة، متعلماً من الدرس الذي لم يتعلمه الساسة وقادة المجتمع الدولي في حربهم ضد الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة