أرقام يبدو أمامها عنوان هذا المقال نكتة، لكنها الحقيقة التي لا نستطيع أن نضع رؤوسنا في الرمال حيالها،
«مقتل 4 في مظاهرة بدرعا»، تحت هذا العنوان، طيّرت وكالات الأنباء، خبر مقتل محمود قطيش الجوابرة، القتيل الأول للثورة السورية، الذي سقط على يد عناصر أمن النظام السوري في محافظة درعا، جنوبي البلاد، وتلاه ثلاثة من زملائه، كانوا مشاركين في المظاهرة السلمية التي انطلقت من المسجد العمري في المدينة الشهيرة، التي بدأت منها الأحداث، بعد أن تحرّك المتظاهرون باتجاه المحطة الشرقية، التي تقع إلى جانب حي الكرك.
حدث هذا يوم 18 مارس 2011، وقد تصدر الخبر وقتها جميع وكالات الأنباء في العالم، باعتبار أن سقوط 4 قتلى في مظاهرة سلمية بسوريا في ذلك الوقت، كان خبراً. واليوم، بعد مرور 7 سنوات على سقوط أول قتيل للثورة السورية، ودخول الأحداث عامها الثامن، هل يمكن أن تعتبر وكالات الأنباء العالمية، سقوط 4 قتلى في مدينة سورية خبراً؟.
لو عاد بنا الزمن سبع سنوات إلى الوراء، هل كنا سنتصور أن الأمور سوف تجري على النحو الذي جرت عليه، وأن ثمة سيناريو قد تم وضعه من قبل أطراف أخرى، وفقاً لنظرية المؤامرة، أو وضعته الأقدار دون تدخل من أحد، وفقاً لنظرية البراءة، كي تتحول سوريا إلى ساحة لصراع كل هذه الأطراف التي تتقاتل على أرضها.
ليس في السؤال تقليل من قيمة البشر، ولا هو استهانة بأرواحهم، لكن عدد الذين سقطوا قتلى في سوريا خلال السنوات السبع الماضية، يجعل من هذا العدد رقماً صغيراً، وإن كان يجب التوقف عنده وقتها، قبل أن تتسع الدائرة، ويصل العدد إلى الأرقام المعلن عنها حتى الآن، وربما كانت الأرقام الحقيقية أكبر من المعلن عنه بكثير، لأن الحروب علمتنا أن رائحة الدم تجتذب المقاتلين، وتجعلهم يستمرئون القتل، حتى لا تعود لأرواح البشر لديهم قيمة، بدليل أن الإحصاءات تقول إن عدد قتلى الحرب العالمية الثانية، يتراوح بين 60 و85 مليون قتيل، فكم بلغ عدد قتلى الثورة، التي اندلعت من مدينة تقع في الجنوب، لتشمل أرض القطر السوري كله، بعد سبع سنوات من سقوط 4 قتلى في مظاهرة سلمية، طيرت وكالات الأنباء العالمية خبر سقوطهم، واعتبرته الصحف التي صدرت في اليوم التالي، مانشيتا وقتها؟.
وفقاً لأرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد قتلى الحرب السورية، بلغ أكثر من نصف مليون قتيل حتى الآن، يعرف المرصد هوية 350 ألفاً منهم، وتبقى هوية الباقين غير معروفة لدى المرصد، الذي حدّد سقوط أكثر من 106 آلاف قتيل من بين المدنيين، و122 ألف قتيل من جيش النظام السوري والمليشيا الموالية له من جنسيات سورية وأجنبية، بينما سقط لفصائل المعارضة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، ما يزيد على 60 ألف قتيل، فيما سقط لجبهة «فتح الشام» وتنظيم «داعش» ومجموعات متطرفة أخرى، ما يزيد على 63 ألف قتيل.
أرقام يبدو أمامها عنوان هذا المقال نكتة، لكنها الحقيقة التي لا نستطيع أن نضع رؤوسنا في الرمال حيالها، فهل كانت وكالات الأنباء ومراسلوها، الذين طيّروا ذلك الخبر قبل سبع سنوات من الآن، يعلمون أن ذلك الخبر قد قرع الجرس لشلال دماء، لا يعلم إلا الله متى سيتوقف، وأنه كان بداية لمتاهة شعب لا يعلم إلا الله متى ستنتهي، وإعلاناً لتصريح دخول سوف تستغله كل القوى لانتهاك حرمة الأراضي السورية، كي يكون لها موقع قدم عليها، يطل علينا من خلاله قادتها بسحناتهم القبيحة، وتصريحاتهم المستفزة، ونياتهم السوداء الخبيثة؟.
لو عاد بنا الزمن سبع سنوات إلى الوراء، هل كنا سنتصور أن الأمور سوف تجري على النحو الذي جرت عليه، وأن ثمة سيناريو قد تم وضعه من قبل أطراف أخرى، وفقاً لنظرية المؤامرة، أو وضعته الأقدار دون تدخل من أحد، وفقاً لنظرية البراءة، كي تتحول سوريا إلى ساحة لصراع كل هذه الأطراف التي تتقاتل على أرضها، وإلى حاضنة لكل هذه الجماعات المتطرفة، التي تنتمي إلى تيارات لا نعرف كيف تشكلت وتكونت وتكاثرت في منطقتنا، ولا ندري من يمولها ومن يمدها بأسباب البقاء على أرضنا، رغم كل الضربات التي نسمع أنها توجه إليها، وكل التحالفات التي تتشكل لمحاربتها، وكل الهجمات التي نسمع أنها تُشن عليها، بخلاف إرادة كل الأطراف التي تدعي أنها تحاربها، وهي صامدة، تنتقل من منطقة إلى أخرى، تحت سمع وبصر وحماية الجميع، الذين يقولون إنهم يحاربونها، ويتحالفون ضدها؟.
لو عاد بنا الزمن سبع سنوات إلى الوراء، لنصحنا محمود قطيش الجوابرة ورفاقه الثلاثة، أن يوفروا دماءهم التي ذهبت هدراً، وأن يحفظوا عليهم أرواحهم، لأن الأنظمة التي يعيشون تحت ظلها، مستعدة لأن تحرق الأرض التي حولها كلها، كي تبقى هي قائمة على الجزء الذي تقف عليه، حتى لو تضاءل هذا الجزء إلى الحد الأدنى، الذي يسمح بموقع قدم لها، بينما النار تشتعل من حولها، ففي سبيل عدم الفناء، لا يصبح بقاء الأوطان، لدى هذه الأنظمة، هو الرهان، وإنما هو بقاء الأنظمة واستمرارها، حتى لو بقيت تحكم فرداً واحداً يقدم لها فروض الولاء والطاعة، ويسبح بحمدها، وفي سبيل البقاء، لا تجد هذه الأنظمة حرجاً في أن تستدعي كل القوى المعادية لأمتها، كي تأتي بقواتها وجحافلها لتحتل أرضها، وتقيم عليها قواعدها، وتقتل مواطنيها، وتفرض عليها تقسيماً طائفياً وعرقياً ومذهبياً، طالما نادى حزبها الذي كانت تطلق عليه صفة «العربي الاشتراكي»، بأنه ضده، وتكتب في دساتيرها، التي تغيرها كلما تصدعت الأرض تحت أقدامها، أنه «يقود جبهة وطنية تقدمية، تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية».
«مقتل 4 في مظاهرة بدرعا»، كان هو الخبر قبل سبع سنوات من اليوم، فهل يمكن أن يكون مقتل أربعة في مظاهرة، هو الخبر اليوم؟.
نقلاً عن " البيان " الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة