منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو ثماني سنوات ومواقف المعارضة منقسمة طبقاً للدول الداعمة مالياً وعسكرياً.
منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو ثماني سنوات ومواقف المعارضة منقسمة طبقاً للدول الداعمة مالياً وعسكرياً.
محوران اثنان كانا يتصدران المشهد فيما يخصّ المرجعية الدولية، إذا استثنينا منصة موسكو وأستانا اللتين تجنحان إلى روسيا وتريان فيها المخلّص على عكس المحورين الآخرين.
الأول يمكن تسميته بالمحور العربي، وهو الذي يعتبر بأنّ السعودية وقفت حتى النهاية مع المعارضة ومضت بها إلى المحافل الدولية لنيل حقها، وساهمت بشكل كبير في تجميع صفوفها خاصة عندما كان النظام ومن خلفه إيران وروسيا يتحججان بعدم وجود معارضة موحدة يمكن الجلوس معها لتقرير شكل الحل الذي على أساسه ستنتهي الحرب في البلاد.
يُضاف إلى هذا المحور طيف ليس بالقليل من المعارضة كان ميالاً للدور المصري، وإن كانت مصر شكلت نقطة خلاف غير ظاهرة للعلن بشكل واضح بين مكونات المعارضة، ففي الوقت الذي تصرّ فيه منصة القاهرة على تفعيل هذا الدور، رأت الأطراف المؤيدة للتوجه القطري التركي بأنّ القاهرة أقرب لدمشق من المعارضة، لذلك بقيت العلاقة شبه مقطوعة ما بين الائتلاف المعارض، وهو الجسم السياسي الأبرز الذي تشكل في العاصمة القطرية الدوحة نوفمبر 2012 بانتخاب معاذ الخطيب رئيساً ومصطفى صباغ أميناً عاماً، ورياض سيف وسهير الأتاسي نائبين للرئيس.
تسليم طرفي النزاع السوري نفسيهما لتركيا وإيران يعتبر نكسة لقلب العروبة، وهذا ما يدلّ على أنّ الطرفين المتنازعين على الأرض لا يملكان القرار، بل ولا حتى محيطهما العربي، بل ذهب مصير سوريا وتحديد مستقبلها السياسي إلى إيران وتركيا وروسيا.
من المحور العربي انحرفت قطر التي طوال فترة هيمنتها على الملف السوري من 2011 حتى 2014 كانت الأمور تزداد سوءاً، خاصة بعد دخول المال القطري لدعم الفصائل المتطرفة على الأرض، وتبني الدوحة عناصر أثّرت بشكل كبير على مسار الثورة، بل وحرّفتها عن مسارها من ثورة شعب يطالب بحقوقه من نظام غير تعددي إلى حركات متشددة، تبحث كلُّ واحدة منها عن إقامة ولايتها الشرعية حسب معتقداتها، والدعم هذا لم يكن سراً إذ أكد ذلك رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم حينما ذكر صراحة بأن بلاده كان لها اتصال مع جبهة النصرة، وزودت بالمال الكثير من الفصائل على الأرض.
بعد الابتعاد أو الإبعاد عن الملف السوري لم تكتف قطر بالصمت، بل ساندت بشكل كبير المحور الثاني المتمثل بتركيا التي استولت بشكل شبه كامل على قرار المعارضة، وباتت إلى حدٍ كبير هي من تقرر حضورها مؤتمرات السلام الخاصة بالأزمة السورية من عدمه، إلى درجة وصل الأمر ببعض الأصوات تفويضها للحديث باسم المعارضة كما حدث في مؤتمر سوتشي الأخير، وهذا مالم تقبله أطياف كثيرة داخل المعارضة وعلى وجه التحديد منصة القاهرة؛ التي تطالب بشكل شبه دوري بتفعيل الدور العربي وتقليص الدور التركي الطامح لتعزيز نفوذه في الشمال السوري، كما يحدث الآن من خلال عملية عفرين، والتي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّ قواته لن تقف عند حدود المدينة بل ستتجه إلى مناطق تل أبيض في الرقة ومنبج وغيرهما، مما يثبت بدون أدنى شك حالة الخوف والقلق عند الشخصيات التي حذرت وما زالت من الدور التركي.
توحد المعارضة في مؤتمر الرياض الأخير، وتشكيل هيئة تفاوض جديدة برئاسة نصر الحريري، ونائبين هما خالد المحاميد وجمال سليمان لم يزح الصراع بين المحورين عن الواجهة.
الملاحظ خلال الأشهر القليلة الماضية، ومنذ تشكّل الهيئة الجديدة، قوة وتنامي المحور المؤيد للدول العربية، والباحث عن تفعيل دورها بشكل أكبر على حساب الدور التركي والإيراني، ما شكّل نقطة خلاف كبيرة في بعض الأحيان بين أعضاء الهيئة، نذكر منها بيانها الأول في اجتماع الرياض (11-2-2018) حين أشار إلى عدم رضاه عن العملية العسكرية التركية في عفرين؛ مما استدعى إصدار بيان ثانٍ خالٍ من هذه الإشارة إرضاء للأطراف المؤيدة لتركيا.
في الواقع، يمكن للشخصيات المعارضة الراغبة بسحب البساط من تركيا النجاح في مهمتها، والأمر يتوقف على أمرٍ واحد وهو تلقف الجامعة العربية المنتقدة بشكل دائم موقف أنقرة، لهذه الفرصة، والمضي بالجسم السياسي المعارض الجديد إلى النهاية، ومجابهة إيران الداعمة للنظام، وهذا ما يفسر الزيارات التي بدأتها الهيئة إلى مصر والرياض وقبل ذلك الإمارات والأردن.
في حديثنا عن مرجعية المعارضة السورية لا يمكن توجيه اللوم لمن يرى بالعرب سنداً دون غيرهم، وإن كان سعيهم لم يأت أكله بعد، ولابدّ هنا من الإشارة إلى أنّ النظام هو الآخر ما عاد قراره من رأسه بل فوضت إيران نفسها، أو فُوِّضت لتكون الطرف الذي يتحدث باسمه في الاجتماعات الثلاثية مع روسيا وتركيا، وهذا أيضا يأتي على حساب الدور العربي المساند بعضه لدمشق، كالجزائر والعراق ولبنان.
تسليم طرفي النزاع السوري نفسيهما لتركيا وإيران يعتبر نكسة لقلب العروبة، وهذا ما يدلّ على أنّ الطرفين المتنازعين على الأرض لا يملكان القرار، بل ولا حتى محيطهما العربي، بل ذهب مصير سوريا وتحديد مستقبلها السياسي إلى إيران وتركيا وروسيا، إن لم ينجح العقلاء بين الطرفين في إعادة سوريا إلى محيطها العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة