زلزال سوريا وتركيا.. هل يولَد مشهد جيوسياسي جديد من تحت الركام؟
قد يساهم زلزال سوريا وتركيا المدمر في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي، لكن ذلك سيكون بشكل مؤقت وليس على المدى الطويل.
هذا ما أكده محللون سياسيون في ظل المد التضامني الإنساني الواسع مع سوريا وتركيا، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين وأسفر عن سقوط أكثر من 11 ألف و200 قتيل حتى الآن، علاوة على تشريد الآلاف وسط موجة البرد القارس التي تجتاح المنطقة.
ويرى هؤلاء المحللون، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، أن الوضع الإنساني الجديد، والتضامن لدول بينها وبين دمشق وأنقرة خلافات، قد يمهد السبيل، ويهيء الأجواء لإمكانية التفاهم حول الخلافات والقضايا العالقة، عبر فتح قنوات التفاهم والحوار.
لكن لا يعني ذلك إمكانية تجاوز الخلافات دون تسويتها على طاولة المباحثات.
وبدا لافتا أن حجم الكارثة الإنسانية نحت الخلافات السياسية جانبا لتقديم الدعم الإغاثي للمنكوبين.
وعقب الزلزال المدمر، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، قدم فيه التعزية بضحايا الزلزال.
وشكر أردوغان نظيره المصري على المشاعر الطيبة، مشيراً إلى أنها تؤكد عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي الشقيقين.
ومرت العلاقات بين البلدين بسنوات من القطيعة بدأت في 2013، وتراجع التمثيل الدبلوماسي لكل منهما إثر اتهام القاهرة أنقرة بدعم جماعة الإخوان الإرهابية.
لكن العام الماضي بدأت عملية التقارب بين مصر وتركيا بمحادثات استكشافية بين وزارتي الخارجية، وتصريحات إيجابية من المسؤولين الأتراك.
كما أجرى الرئيس المصري، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري بشار الأسد، للمرة الأولى، أمس الثلاثاء، عرض خلاله تقديم مساعدات إغاثة، معربا عن تضامن بلاده مع دمشق.
مشهد جديد؟
يرى مراقبون أن الاتصال بمثابة تحول إيجابي نوعا ما في العلاقات المصرية السورية، مشيرين إلى أن المد التضامني مع دمشق قد يفتح الباب لاتصالات أوسع ومحادثات تمهد لعودة سوريا للجامعة العربية.
وتخلل المد تحرك عربي قادته دولة الإمارات التي كانت سباقة في استئناف العلاقات مع سوريا، والدعوة لعودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لعدم تركها فريسة لتدخلات إقليمية ودولية.
الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أكد في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "كارثة الزلزال المدمر بضخامتها واعتباراتها الإنسانية الملحة قد تساهم في إعادة المشهد الجيو سياسي، بشكل مؤقت لكن لن يكون هذا على المدى الطويل".
ويقول عبد الفتاح إن "الوضع الإنساني الجديد ربما يهمد السبيل ويهيئ الأجواء لإمكانية التفاهم حول بعض الخلافات، أو يذيب بعض الجليد، ويفتح قنوات التفاهم والحوار، ووضع أرضية للتفاهم مشتركة، لكن ليس معناه تجاوز الخلافات دون تسويتها".
ويضيف في هذا الصدد أنه "لابد من تسوية الخلافات الاستراتيجية على الطاولة دون القفز عليها أو تجاهلها؛ لأنها خلافات مزمنة وجيوسياسية هامة وبالتالي لابد من تسويتها أولا ".
وضمن التداعيات السياسية للمد التضامني مع دمشق وأنقرة، يشير الخبير بمركز الأهرام إلى أنه "في الكوارث الطبيعية يغلب البعد الإنساني على الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، وفي هذا السياق لاحظنا اتصال السيسي بالرئيسين السوري والتركي، وهذه أول مرة يجري فيها اتصالا هاتفيا مع الإثنين".
وضمن التداعيات السياسية أيضا، يستطرد أن "هناك مطالبات بتعليق عقوبات الولايات المتحدة وأي عقوبات دولية على النظام السوري لتسهيل تقديم المساعدات والمواد الإغاثية، كما أعلنت أيضا أوكرانيا استعدادها لدعم تركيا".
أيضا، أجرى الرئيس الأمريكي اتصالا بنظيره التركي تطرق إلى دعم أمريكي لسوريا وتركيا.
ويلمح عبد الفتاح إلى أن "هناك تداخلا بين المعارضة السورية والنظام الآن فيما يتعلق بالمساعدات والتنسيق والدعم؛ لذلك من المتوقع أن يؤدي الوضع الإنساني إلى إيجاد آلية لإمكانية تفاهم مستقبلي بين أطراف عديدة متناحرة في المنطقة شريطة أن يتم تسوية الخلافات السياسية والقضايا العالقة".
كما يلفت إلى أن "العلاقات التركية السورية تمت حلحلتها قبل هذه الكارثة بأشهر، وستتواصل هذه الجهود بعد الأزمة".
عامل مساعد
يتفق الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مع تأثير التضامن الإنساني كعامل مساعد على تهدئة التوترات فيما بين تركيا، أو سوريا ودول أخرى، بسبب المردود الإيجابي للتعاطف والتضامن الإنسانيين في هذه الظروف.
لكن "يوسف" يرى في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن هذا التأثير يبقى عاملا إيجابيًا مساعدًا وليس منشأ.
ويبرهن أستاذ العلوم السياسية بأن مبادرة السيسي بتعزية أردوغان سيكون لها بالتأكيد أثرها الإيجابي على العلاقات، لكن يجب التذكر أن محاولات إعادة العلاقات المصرية - التركية إلى المسار التعاوني بدأت منذ 2021، وإن بدا إيقاعها بطيئًا بسبب تعقد الملفات الخلافية في العلاقات.
ويضيف: "كما أن الرئيسين المصري والتركي التقيا في نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي على هامش افتتاح مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر، ودار بينهما حديث مطول؛ لذلك من الممكن أن تمثل مكالمة الرئيس السيسي لأردوغان دفعة إيجابية للعلاقات بين البلدين لكنها لن تنشأ من فراغ".
من جهته، يقول السفير محمد العرابي وزير خارجية مصر الأسبق: "نحن أمام قضية إنسانية لابد أن يتضافر الجميع لتقديم العون والمساعدة، والوقوف بجانب الشعبين السوري والتركي، بعيدا عن أي حساسيات سياسية أو الارتكان إلى الماضي".
وأمام التضامن الإنساني العربي الواسع، يؤكد "العرابي"، لـ"العين الإخبارية"، أن هذا الأمر "يضفي أجواء إيجابية وراحة في الجو السياسي العام، وقدر من التقارب، لكنه في الوقت ذاته لا يمثل المفتاح لحل الأزمات بالمنطقة، فالسياسة لها أيضا محدداتها".
وأعربت أمس دول عربية وأجنبية عن تضامنها مع تركيا وسوريا عقب الزلزال المدمر الذي البلدين، وتسبب في سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى.
وكانت دولة الإمارات، قد أعلنت الإثنين، إطلاق عملية "الفارس الشهم 2" بمشاركة القوات المسلحة ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية والتعاون الدولي و"مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية" و"مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية" والهلال الأحمر الإماراتي.
مؤشرات إيجابية
وفي سياق متصل، وحدت كارثة الزلزال مصير الجارتين تركيا وسوريا، جاءت لتذكرهما بارتباط مصيرهما، وقد تدفع قطار تطبيع العلاقات بينهما الذي يسير ببطء وفق آلية ثلاثية، تشمل أيضا روسيا كوسيط، وفق مراقبين.
ومن وحدة مصير المتضررين من الزلزال العنيف إلى دول أخرى، لطالما ارتبطت بخلافات مع أي من المتضررين، لكنها قررت إسقاط التوترات مؤقتا، والمسارعة إلى مد يد العون لإنقاذ الأبرياء.
فقد تحدث رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس هاتفياً مع أردوغان، لتقديم "مساعدة فورية" لتركيا بعد الزلزال العنيف الذي دمر جنوب البلاد وجزءا من سوريا.
ويعود آخر لقاء بين أردوغان وميتسوتاكيس إلى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في براغ خلال إطلاق المجموعة السياسية الأوروبية، لكنه لم يمر بسلام، إذ انسحب رئيس وزراء اليونان من عشاء لرؤساء الدول والحكومات حين هاجم أردوغان اليونان، محملا إياها مسؤولية انعدام الاستقرار في البحر المتوسط، وفق "فرانس برس".
ورغم هذه الخلافات، من المقرر أن تغادر طائرة سي-130 تابعة للجيش اليوناني، الإثنين، رئيس الهيئة اليونانية لمكافحة الزلازل للمشاركة في "إدارة الجهود بهدف مواجهة هذه الكارثة"، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الحكومة اليونانية يانيس أويكونومو.
ومن تركيا إلى تل أبيب التي ارتبطت بعلاقات متوترة لعقود مع دمشق، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "لأنه تم تلقي طلب للقيام بذلك للكثيرين ممن أصيبوا في الزلزال في سوريا، فقد أصدرت تعليماتي بأن يتم ذلك"، في إشارة لإرسال مساعدات لسوريا.
الولايات المتحدة التي تملك علاقات متدهورة وقطيعة دبلوماسية مع دمشق منذ سنوات، أعلنت أيضا إرسال فريقي بحث وإنقاذ أمريكيين بقوة 79 فردا لكل منهما إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال، وفق البيت الأبيض.