مأساة سورية.. لاجئون يموتون بردا فوق الجبال
سلسلة الجبال التي تشكل حدودا طبيعية بين سوريا ولبنان تحولت إلى "مصيدة موت" للاجئين السوريين الشهر الماضي.
لطالما كانت سلسلة الجبال التي تشكل حدودا طبيعية بين سوريا ولبنان بمثابة "قناة" في أوقات الحروب للأشخاص الذين لا يمكنهم السفر بشكل شرعي، سواء كانوا معارضين أو منشقين أو مواطنين عاديين يريدون الهرب فقط.
وفي إحدى ليالي الشهر الماضي، تحولت هذه السلسلة الجبلية إلى "مصيدة موت" عندما هبت عاصفة ثلجية بينما كانت مجموعة مكونة من 70 لاجئا سوريا تحاول تسلقها في محاولة للوصول إلى لبنان.
ووسط الظلام الدامس والرياح والثلج، بدأ السوريون في الترنح، ومع عدم قدرتهم على رؤية مرشدهم، ضلوا طريقهم وتشتتوا.
وأصيبت جماعة صغيرة منهم بالتعب الشديد فقررت الاستلقاء على الأرض الصلبة الباردة والنوم قليلا، وبحلول الفجر، كان 15 شخصا قد تجمدوا حتى الموت.
وفي تقرير نشرته صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية بعنوان "معجزة في الثلج"، وصفت هذه الفاجعة بحجر زاوية جديد حزين في مأساة الحرب السورية المستمرة منذ 7 سنوات، لافتة إلى أنها تذكرة بالجهود اليائسة المستمرة التي يحاول بها السوريون الهرب من الصراع في بلادهم برغم الخطى الحثيثة التي يقطعها المجتمع الدولي من أجل إنهائها.
وذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن سماع أخبار عن لاجئين سوريين غرقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا أو تم إطلاق النار عليهم على الحدود التركية أمر معتاد، لكن هذه هي المرة الأولى التي نسمع عن مجموعة سوريين يلقون حتفهم من شدة البرد.
وسُلط الضوء على مصير هؤلاء اللاجئين السوريين لأول مرة، عندما قام موظفو إغاثة بنشر صور عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث لم يتمكن من النجاة إلا طفلة صغيرة عثر عليها ترقد فوق الثلج، قام أحد الأشخاص بأخذها إلى أقرب مستشفى في مدينة شتورة المجاورة، وكان نصف وجهها محترقا بسبب تعرضها لصقيع شديد.
وفي وحدة الرعاية المركزة، تحولت هذه الفتاة الصغيرة إلى علامة استفهام أخرى في مأساة الحرب السورية، حيث بدأ الأطباء في السؤال عن ماهيتها ومكان عائلتها وما إذا كانت ستنجو أو لا.
ومن بين مجموعة اللاجئين الذين تسلقوا الجبال تلك الليلة البشعة، شهاب العبد، 43 عاما، فضلا عن أفراد من عائلته القادمين من إحدى القرى الصغيرة في محافظة دير الزور، الذي قال إن قريتهم ظلت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي لسنوات، ولأنها صغيرة جدا وغير مهمة لم تدخل في معمعة المعارك التي قتلت ما يزيد على 300 ألف سوري في أنحاء البلاد، لذلك بقيت حياتهم سلمية نسبيا.
ووصف شهاب تمكنه من الوصول إلى منزل شقيقه في طرابلس شمال لبنان قائلا، "إن كل شيء تغير نهاية العام الماضي، بدأ داعش يفقد كل معاقله الأساسية، ومن ثم بدأ مقاتلوه يظهرون أكثر في القرية، بينما كانوا يفرون من المناطق الأخرى".
وقررت عائلة شهاب الفرار بعد اندلاع معركة بين داعش والجيش السوري في القرية، وقاموا بالسفر إلى دمشق بالسيارات، وبمجرد وصولهم إلى دمشق، تواصلوا مع أحد المهربين الذي تعهد بتوصيلهم إلى لبنان بأمان.
وبلغت تكلفة الرحلة 140 دولارا لكل شخص، على أن تكون رحلة سهلة وقصيرة لا تتعدى نصف ساعة سيرا على الأقدام على طول الطريق الرئيسي، "لكنه كان يكذب"، وفقا لما قاله شهاب الذي فقد زوجته ووالدته وشقيقته وحفيده تلك الليلة.
وحسب السلطات اللبنانية، توجد مجموعة مهربين "معروفة" تخدع عملاءها وتقنعهم بأنها ستنقلهم عبر طرق سهلة.
ومع صعوبة الطريق وتسلق الجبال في الظلام والبرد والثلج، "قررنا أخذ استراحة"، تسترجع عبير التي نجت أيضا من هذه الليلة، مضيفة: "استلقينا وقلنا لأنفسنا سنعثر على الطريق في الصباح".
وقال جورج كورتاس، طبيب ومدير المستشفى الذي استقبل اللاجئين السوريين، إن معظم الناجين من الحادث كانوا في حالة جيدة وخرجوا في نفس اليوم، لكن كانت هناك طفلة صغيرة يبلغ عمرها ثلاث سنوات تقريبا، في حالة حرجة وتعاني من حروق ثلجية من الدرجة الثالثة في وجهها.
وأضاف أن الطفلة ظلت غائبة عن الوعي يومين، وكان الأطباء يخشون موتها، وأنها بدأت في التعافي نوعا ما، في اليوم الثالث، بينما استغرق تحدثها يوما آخر بالكامل، لتقول بصوت ضعيف: "أريد أن أذهب إلى أمي".
كورتاس وصف ذلك بـ"المعجزة"، قائلا: "إنها فتاة صغيرة قوية، وأعضاؤها تعافت تماما، لكنها ستحتاج إلى العديد من العمليات التجميلية لتعيش بصورة طبيعية".
ولم يأت أي شخص ليعلن مسؤوليته عن تلك الفتاة إلا في اليوم الخامس من الحادث، حين ذهب والدها الذي يعيش في طرابلس لاستلامها بعدما عرف بما أصاب عائلته فقط عندما شاهد صورها عبر فيسبوك.
aXA6IDMuMTQ0LjI5LjIxMyA=
جزيرة ام اند امز