الفرقاء السوريون اليوم أمام خيار تاريخي يتمثل بالمحافظة على وحدة سورية أو التفريط بهذا المبدأ العقدي عند كل سوري
رغم كل المعوقات والتنازلات بين الأطراف السورية لإيجاد مخرج من الأزمة التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم إلا أن الفرقاء السوريين اليوم أمام خيار تاريخي يتمثل بالمحافظة على وحدة سوريا أو التفريط بهذا المبدأ العقدي عند كل سوري مهما اختلفت رؤاه السياسية أو معطياته الأيديولوجية، لا سيّما وأن هذا الملف "وحدة سوريا" بات على المحك في ظل التوازنات الدولية والأوراق الخارجية اللاعبة على الميدان السوري، وما تفرضه سياسة الأمر الواقع؛ مما يجعل السوريين أمام محنة حقيقية قد يكون ثمن التهاون بها جعل سوريا أمام قضية الوحدة السورية لا قضية وحدة سوريا .
من المعلوم للجميع بأن التأكيد على مبدأ "وحدة سوريا" لم يغب عن أي خطاب سياسي موالٍ للحكومة أو معارضٍ بل ولم يغب حتى عن المنابر الدولية الخارجية، إلا أن الأمر اليوم يتطلب أكثر من مجرد خطاب، فالقوى الخارجية أياً كانت ومهما كان ما تمثله "وحدة سوريا" من مصلحة استراتيجية بالنسبة لها، إلا أنها قد تتخلى عنه أو تتهاون به أمام أي مصلحة ترى فيها من المكاسب ما يفوق هذه المصلحة.
أما بالنسبة للأطراف السورية فإن هذا الأمر لا يقاس بالمصلحة أو المكاسب السياسية؛ كونه مبدأ ذو أبعاد شعبية ووطنية ووجودية لا مجال للمساومة عليه، وبخاصة عندما نرى أن الأطراف الدولية الفاعلة تغض البصر عن هذا المبدأ الثابت في سياستها خطابياً وحسب، أما عملياً فإننا نجد خلاف ذلك بدءاً من إطلاق كل طرف منهم العنان للطرف الآخر ليفعل ما يشاء في المناطق التي تخضع لسيطرة مواليه، فصار المواطن السوري يعيش الانقسام على الأرض السورية تبعاً للجهة الدولية التي تسيطر على الأرض، وهي التي تنقسم فعلياً وفق اعتبار الداعم الخارجي إلى المنطقة الروسية والتركية والأمريكية.
إذ تدار تلك المناطق بتوافقية تامة بين الأطراف الثلاثة وبأساليب تتناسب والمصالح المتفاهم عليها مع غياب كامل للإرادة أو الرؤية السورية - السورية، فما هي إلا تفاهمات تغيب عنها المصالح السورية مما يعزز شقاء المواطن السوري ويكرس معاناته لاختلاف الأساليب الإدارية والقوانين الاقتصادية بل وحتى أحكام العبور بين المناطق الثلاث، وما ذلك إلا مؤشر خطير يدلل على أن "وحدة سوريا" قد تكون مجرد ورقة بالنسبة للأطراف الدولية الفاعلة لا يعلم متى تستبدل بورقة أقوى بالنسبة لتلك الأطراف، فهذه القضية قبل كل شيء هي مسؤولية سورية - سورية لا مسؤولية دولية، كما أنها مطلب سوري وعقيدة سورية ثابتة لا مجال لوزنها بميزان المصلحة والورقة السياسية .
من المعلوم للجميع بأن التأكيد على مبدأ "وحدة سوريا" لم يغب عن أي خطاب سياسي موالٍ للحكومة أو معارض.
لا يشك عاقل بأن هذا الأمر ليس مطلباً لطرف سوري من الأطراف مهما اختلفت معه في وجهات النظر سياسياً وفكرياً وأيديولوجياً؛ لأن السوري في النهاية موالٍ كان أم معارض يطمح في أن تنتصر رؤيته، وأن يصل إلى الاستقرار الأمني والسياسي الذي يكرس مطالبه وقضاياه السياسية، فلا يريد أن يخسر شبراً من الأرض السورية أو أن يخرج جزء منها عن إدارته.
ولكن واقع الحال يعرّض جميع الأطراف للابتزاز من الخارج لتشعب الارتباطات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية بين كل طرف من الأطراف الداخلية بطرف خارجي، مما يعرض تلك الأطراف لمماحكات تهدف لإرساء تفاهمات قد تودي بوحدة سوريا بغية تمرير المخططات المصلحية الخارجية على حساب المصالح الوطنية السورية، مما يجعل الفرقاء السوريين أمام ضرورة فتح قناة تواصل مباشرة فيما بينهم تتجاوز كل الاختلافات والصراعات السياسية يمكن بلورتها على شكل هيئة سورية أو فريق سياسي سوري أو حتى غرفة عمليات سياسية سورية تحت اسم
"وحدة سوريا"، تهدف للتصدي لتلك التفاهمات باستخدام الأوراق الدبلوماسية السورية – على قلتها - للحيلولة دون أن تمر تلك التفاهمات وتتحول من قوة الأمر الواقع إلى الوضع المتطامن القائم، ليعود السوريون حينها إلى المربع الأول بل المربع الأكثر سوءاً وهو البحث عن "سوريا الموحدة" .
فلا بد اليوم من أن نرى الصورة السورية وأن نسمع الصوت السوري المعبر – على اختلاف الرؤى السياسية – عن وحدة المبدأ والاستعداد للتنازل عن أي شعار سياسي لصالح "وحدة سوريا"؛ لأن أي مكسب سياسي يترتب عنه المساس بالوحدة السورية، لن يلقى أي أذن شعبية أو أي قبول وطني بل يجعل السوريين بمختلف أطيافهم يصنفون الأمر على أنه خيانة وعمالة وليس اختلافا سياسيا ولا وطنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة