جريمة طيبة العلي في ميزان الطبيب النفسي.. كيف يقتل الأب ابنته؟ (خاص)
هز مقتل البلوغر طيبة العلي على يدي والدها الرأي العام العراقي، في واقعة ما زال صداها يدوي حتى كتابة هذه السطور.
وأنهى الأب حياة طيبة العلي عقب عودتها إلى موطنها قادمة من تركيا بزعم "غسل العار"، وسلم نفسه للشرطة فور ارتكاب جريمته في محافظة الديوانية جنوب العراق.
يعود فرار "طيبة" إلى تركيا لنشوب خلافات بينها وبين أسرتها، بعدما اتهمت شقيقها بالتحرش بها، كما رغبت في الزواج من شاب سوري يُدعى محمد الشامي، وهي الخطوة التي قوبلت بالرفض من ذويها.
رغم هذا، غيرت الشابة الراحلة رأيها وعادت إلى العراق نزولًا على رغبة والدتها، قبل أن يُجهز الأب عليها وتفارق الحياة.
بوقوع الجريمة، والكشف عن تفاصيلها الصادمة، تساءل كثيرون عن العوامل التي من شأنها أن تدفع أبًا لقتل ابنه أو ابنته، وهو ما حاولت "العين الإخبارية" الوقوف عليه خلال السطور التالية.
العادات والتقاليد
للوقوف على الصورة عن قرب، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن القبلية لها دور في هذه الواقعة، خاصة مع سيادة فكر "القتل من أجل الشرف"، وهو ما ظهر جليًا من تسليم الأب نفسه إلى أجهزة الشرطة عقب إزهاق روح ابنته.
أضاف "فرويز"، لـ"العين الإخبارية"، أن خروج الابنة إلى تركيا واختلاف عادات المجتمع هناك كونه قائم على الانفتاح أثر على علاقتها بأسرتها، بشكل دفع الأب إلى ارتكاب جريمته.
نوه استشاري الطب النفسي بأن الأب لحظة قتل ابنته كان يحمل شعورين متناقضين، أولهما فخر لغسل عاره، والثاني هو حزنه على فقدان ابنته، وهو ما يعكس مدى الاهتزاز النفسي الذي يعيشه الجاني، ودليل على جمود الفكر الذي توارثه.
في نفس السياق، أشار الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، إلى فكرة الشرف داخل المجتمعات الشرقية، التي تعتمد على ضرورة أن تطيع الابنة تعليمات والدها، بما يعني أن خروجها عن طاعته كفيلة بإنهاء حياتها وفق قوله.
ذكر "مجدي"، في تصريحه لـ"العين الإخبارية"، أن خروج "طيبة" لتركيا واتهام شقيقها بالتحرش سبب للأسرة شوشرة، وهو ما يخالف التقاليد والعادات القبلية، بشكل دفع الأب إلى التخلص منها بزعم "التخلص من عاره".
أوضح استشاري الطب النفسي أن الأب لحظة قتل ابنته يكون عقله مغيبًا، ويضع لنفسه تبريرات لتصرفه العنيف، منها على سبيل المثال هو "تطهير ابنته من العار"، و"التخلص من الفضيحة التي جلبتها له".
ألمح "مجدي" بأنه في عدد من الحالات النادرة يتخلص الأب من ابنته لمعاناته من مرض عقلي، شارحًا: "قد يعاني الشخص من مرض كالانفصام والهلاوس وضلالات، يترتب عليها تخيل أشياء غير صحيحة بشأن ابنته، وبالتالي قد يتخلص منها".
من جانبه، اتفق الدكتور أحمد الباسوسي، استشاري العلاج النفسي، مع تفسيري "فرويز" و"مجدي"، فقال، خلال تصريحه لـ"العين الإخبارية"، إن الثقافة القبلية المرتبطة بالشرف له دور كبير في وقوع هذه الجريمة.
أردف: "هناك ثقافة ذكورية مرتبطة بالأعراف التقليدية القديمة، والتحضر لم ينفتح عليه الناس في هذه المجتمعات، وحينما يصطدم هذا الواقع مع موقف يخالف المعتقدات يفضي الأمر إلى عنف".
نوه "الباسوسي" بأن العنف الأسري متواجد في المنازل، لكن حينما يصل إلى القتل يكون هناك شك في "أن يكون هذا السلوك متعمدًا": "هو عنف تقليدي تلقائي يعود إلى الشخص لو بدر عن زوجته أو ابنته تصرف يهز صورته الشخصية أمام الناس لا بد أن يقومهما، وهنا يختلف السلوك من شخصية لأخرى، وقد يفقد الأب سيطرته في بعض الحالات".
اندفاع غير محسوب
كشف "الباسوسي" أن عدم إدراك الأب بأنه سيقتل ابنته، يعود إلى إصابته بـ"نوبة تُخرج منه سلوكًا اندفاعيًا بشكل تلقائي، هو عبارة عن انعكاس مع غياب لدور العقل في لحظتها".
تابع: "هذه الاستجابات البدائية تشبه سلوكيات الحيوانات، وهنا يتضح دور المخ الذي ينتقي ويطرح تساؤلات حول عواقب التصرفات قبل أن يتخذها الفرد، فمثلًا لو أن هذا الرجل تريث وفكر مليًا كانت الاستجابة ستأتي من المخ وتتغير الأمور، لكن ما وقع هو استجابة اندفاعية قائمة على الثقافة التي تربى عليها".
بيان وزارة الداخلية
كانت وزارة الداخلية العراقية، قد أصدرت بيانًا لكشف وقائع سبقت وقوع الجريمة، ونفت فيه ما تداوله البعض من أن الراحلة ناشدت الجهات المعنية لنجدتها، موضحةً: "جرى الاستماع لها ودعمها وتقديم المشورة للوصول إلى حلول مناسبة لمشكلتها مع أسرتها".
أضافت: "في وقت لاحق تم اللقاء بها في مقر دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية، واستجابت الراحلة وأسرتها لحل المشاكل الدائرة بينهما، بعدها وردت معلومة من إحدى صديقاتها بتوجه الراحلة لمحافظة الديوانية".
تابع البيان: "توجهت الشرطة المجتمعية في الديوانية برئاسة مدير الشعبة إلى منزل الأسرة، وجرى اللقاء معهم والوصول إلى حلول مناسبة ترضي الجميع، لكن فوجئنا في اليوم التالي الذي كان من المفترض أن نلتقي مجددًا بخبر مقتلها".
aXA6IDMuMTQ1LjEwLjY4IA== جزيرة ام اند امز