بودرة التلك.. تاريخ من السطوع أطفأته «تعويضات السرطان»
على مدار أشهر، منحت محاكم مختصة تعويضات خيالية للمتضررين من بودرة تلك الأطفال، بعد ثبوت تسبب المنتج الشهير بمشاكل خطيرة بينها السرطان.
حاليا، تم رفع أكثر من 1000 دعوى قضائية إضافية ضد شركة "جونسون آند جونسون" بدعوى أن الشركة المصنعة كانت على علم بالصلة بين استخدام المنتج وتطور سرطان المبيض، لكنها فشلت في تحذير المستهلكين.
ومع الجدل الدائر منذ أشهر انصب الكثير من التركيز على استخدام التلك في بودرة الأطفال من شركة "جونسون آند جونسون"، لكن كثيرين لا يعرفون أن استخدامات بودرة التلك تتجاوز صناعة مستحضرات التجميل.
ما هي بودرة التلك؟
بودرة التلك (Talcum Powder) هي مسحوق مصنوع من التلك، وهو معدن يتكون أساسا من المغنيسيوم والسيليكون والأكسجين، ويمتص هذا المسحوق الرطوبة جيدا ويساعد على تقليل الاحتكاك، مما يجعله مفيدا في الحفاظ على الجلد جافا ومنع الطفح الجلدي.
وأطلقت شركة "جونسون آند جونسون" بودرة الأطفال المشهورة والمبدعة القائمة على التلك في عام 1894، ومع ذلك بدأ تاريخ بودرة التلك حقًا عندما تم العثور عليها لأول مرة في مزرعة في مادوك في أونتاريو، كندا، خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، وفقا لموقع jointhemany.
ولم يتم استخراج مسحوق التلك تجاريًا حتى تسعينيات القرن التاسع عشر وإنتاجه أثناء عمليات التعدين واسعة النطاق في مناجم التلك الكندية، وكان منجم هندرسون للتلك من أوائل مشغلي تعدين التلك على نطاق واسع، والذي بدأ الإنتاج في عام 1896، ومنجم كونلي الذي افتتح بالقرب من هندرسون في عام 1911.
على مر السنين، قام مشغلا التعدين البارزان بتغيير قيادتهما عدة مرات، وفي عام 1937 تم دمجهما أخيرًا وتغيير اسم الشركة الجديدة إلى شركة Canadian Talc Limited، لكن بعد مرور 14 عامًا تم شراء منجم التلك الكندي من قبل شركة Canada Talc Industries Limited.
وتم استخراج أكثر من 800 ألف طن من بودرة التلك عالية الجودة من مناجم التلك الكندية قبل إيقاف عمليات التعدين في عام 2010، إذ كان منجم التلك الكندي هو أقدم وأطول منجم لمسحوق التلك في أونتاريو.
اعتبارًا من عام 2018، تتضمن قائمة الدول التي تقوم بتعدين وإنتاج التلك أكثر من غيرها الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وفرنسا واليابان وفنلندا والولايات المتحدة.
استخدامات بودرة التلك
على الرغم من الجدل الدائر فإن بودرة التلك لا تزال مكونًا شائعًا في العديد من المنتجات التجارية والمنزلية، وأيضا لا تزال عنصرًا حيويًا في العديد من الصناعات وتخدم أغراضًا وتطبيقات مختلفة، ومن استخداماتها الأكثر شيوعًا ما يلي:
- مستحضرات التجميل
التلك هو عادة العنصر الرئيسي في العديد من مستحضرات التجميل القائمة على البودرة، وبسبب نعومتها تميل منتجات البودرة التي تحتوي على التلك إلى أن تكون أسهل في وضعها وإزالتها دون تهيج الجلد.
يعد التلك أيضًا مكونًا شائعًا في المنتجات المضادة للتعرق بسبب قدرته على امتصاص الرطوبة والزيوت والرائحة التي تنتج تأثيرًا قابضًا بمجرد ملامسته للجلد.
- طلاء
يعمل التلك كموسع وحشو للطلاء بسبب شكله العريض، إذ يساعد على تحسين تعليق الجزيئات المعدنية في الطلاء ويسمح لها بالالتصاق بشكل أفضل بالجدار لمنع الترهل.
- صناعة البلاستيك
يعمل التلك كمادة حشو في صناعة البلاستيك، ويزيد من صلابة الفينيل والبوليستر والنايلون والبولي إيثيلين والبولي بروبيلين ومقاومته للحرارة.
- صناعة ورق
تعتبر خصائص الامتصاص الرائعة لبودرة التلك حيوية في صناعة الورق وإنتاج المنتجات الورقية ويستخدم لامتصاص الشوائب العضوية، والتي عادة ما تكون لزجة.
بودرة التلك والسرطان
تصنف منظمة الصحة العالمية التلك على أنه يحتمل أن يكون خطيرًا، موضحة أن وضعها على الأعضاء التناسلية (العجان) ربما يكون مسرطنًا للإنسان.
وتصنف المنظمة أيضًا التلك الملوث بالأسبستوس على أنه مادة مسرطنة بالتأكيد للإنسان، وللأسف تحتوي بعض المنتجات الاستهلاكية والصناعية على مستويات خطيرة من التلك الملوث بالأسبستوس.
على مر السنين، تم إجراء العديد من الدراسات لتحديد العلاقة بين التلك وسرطان المبيض، وهو المرض الأكثر شيوعًا المرتبط بالتعرض لبودرة التلك، وخلصت إلى أن "بودرة الأطفال الشهيرة جونسون آند جونسون تزيد من خطر الإصابة بسرطان المبيض".
ووفقا لموقع asbestos فإن المخاطر الصحية المحتملة لبودرة التلك، سواء غير الملوثة أو الملوثة بالأسبستوس، تشمل ما يلي:
- سرطان الرئة
أظهرت الدراسات وجود حالات زائدة من سرطان الرئة لدى عمال مناجم التلك في جميع أنحاء العالم، وقد وجدت هذه الدراسات وجود الأسبستوس في عينات التلك.
- ورم الظهارة المتوسطة
الأسبستوس هو السبب الرئيسي لورم الظهارة المتوسطة، لذا تم ربط التلك الملوث بالأسبستوس بحالات ورم الظهارة المتوسطة.
- سرطان المبيض
وجدت الدراسات وجود علاقة بين التلك وسرطان المبيض، مع العلم أن الأدلة أكثر قوة ضد بودرة التلك الملوثة بالأسبستوس.
- التلك أو تغبر الرئة التلك
يرتبط هذا الاضطراب الرئوي في الدراسات باستخراج وطحن التلك الملوث بالأسبستوس، كما تم وصف عدد قليل من حالات التلك المرتبطة بمنتجات التلك التجميلية في الأدبيات الطبية.
سحب بودرة التلك من الأسواق
منذ أكثر من 100 عام، ظلت شركة جونسون آند جونسون الاسم الأكثر شهرة في منتجات بودرة التلك، وأظهرت وثائق المحكمة أن مسؤولي الشركة كانوا على علم بأن الأسبستوس قد لوث التلك المستخدم في منتج "جونسون بيبي باودر" الشهير منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
وفي حين أوقفت الشركة مبيعات التلك العالمية في منتجاتها في عام 2023، تواجه "جونسون آند جونسون" حاليًا أكثر من 50 ألف دعوى قضائية تتعلق بالأسبستوس.
وحتى الآن، منحت هيئات محلفين (محاكم) مختلفة أكثر من 120 مليون دولار تعويضات عقابية للمدعين الذين زعموا أن الاستخدام المنتظم طويل الأمد لبودرة التلك من "جونسون آند جونسون" أو غيرها من المنتجات المعتمدة على التلك ساهم في تطور سرطان المبيض العدواني.
وقضت هيئات المحلفين في هذه القضايا بأن الشركة المصنعة كانت مسؤولة عن الإهمال والتآمر والفشل في تحذير المستهلكين من المخاطر.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلنت الشركة الشهيرة أنها ستسحب 33000 زجاجة من بودرة الأطفال الموزعة في أمريكا الشمالية بعد أن عثرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على آثار الأسبستوس في عينات مأخوذة من زجاجة واحدة متضمنة في تلك الدفعة.
ورغم ذلك، قالت "جونسون آند جونسون" في إعلان صدر في مايو/أيار 2020 إنها لا تزال "واثقة بشدة في سلامة بودرة جونسون للأطفال التي تعتمد على التلك، وأن سلامة منتجها الأكثر شعبية مدعومة بعقود من الدراسات العلمية التي أجراها خبراء طبيون حول العالم".
لكن بعد ذلك حاولت الشركة في مرتين، تحديدا عامي 2021 و2023، إبرام صفقة مع آلاف الأشخاص الذين يقاضونها بسبب مزاعم السرطان، بهدف تسوية جميع الادعاءات الحالية والمستقبلية بأن منتجاتها من بودرة التلك تسبب سرطان المبيض لكن محاولتيها فشلتا.
ومطلع مايو/أيار 2024، قالت "جونسون آند جونسون" إنها ستطلب من عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يقاضون الشركة بسبب مزاعم تسبب منتجاتها في إصابتهم بالسرطان الموافقة على تسوية جديدة بقيمة 6.5 مليار دولار، وهي محاولتها الثالثة لحل الدعاوى القضائية.
وتحاول الشركة إنهاء ملحمة قانونية استمرت لأكثر من عقد من الزمن بشأن مسؤوليتها تجاه بودرة الأطفال، وهي واحدة من أكثر منتجاتها شهرة، والتي يزعم الآلاف أنها تسببت في سرطان المبيض وورم الظهارة المتوسطة لأنها ملوثة بالأسبستوس.
ولطالما أنكرت الشركة هذه الادعاءات، لكنها توقفت في السنوات الأخيرة عن بيع بودرة الأطفال المعتمدة على التلك في جميع أنحاء العالم.