ماذا بعد سيطرة طالبان؟.. خبراء يتخوفون من "سبتمبر أسود" جديد
"ليست حتمية".. بهذا الكلمات قلل الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل شهر من احتمالية سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.
لكن يبدو أن الرئيس الأمريكي لم يكن يتصور احتدام المعركة بين الحركة والقوات الأفغانية، وقدرة طالبان على الوصول للحكم، فبات شبح إقامة "إمارة إسلامية" يخيم على المشهد المستقبلي برمته.
وتثير عودة حركة طالبان للحكم، والتي حسمت خلال الساعات الماضية، الكثير من المخاوف بشأن مستقبل أفغانستان والمنطقة في ظل تصدر الجماعات المتطرفة المشهد، سواء على صعيد طريقة حكم طالبان أو تحالفها مع القاعدة.
وعلى الأرض، باتت حركة طالبان على وشك الاستيلاء الكامل على السلطة في أفغانستان بعد سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، فيما فرّ الرئيس أشرف غني من البلاد، تاركاً السلطة عمليّاً للحركة.
وأظهرت صور بثتها وكالات الأنباء مسلحي طالبان في مكتب "غني"، بعد أن أعلنت الحركة سيطرتها على القصر الرئاسي.
ويرى خبراء مختصون في الشؤون الدولية، تحدثوا لـ"العين الإخبارية" أن العالم والمنطقة بشكل خاص يواجه مأزقا حقيقيا مع العودة المحتملة للحركة إلى الحكم، بعد سيطرتها على العاصمة، الأمر الذي يطرح معه سيناريوهات عدة بشأن وجود نظام سياسي متطرف، إما عبر حكم كلي وإما تقاسم للسلطة، إضافة لتحالف معلن، مرتقب مع القاعدة وما قد يحدثه من خطر.
تنظيم جديد وتحالف معلن
ويعتقد المراقبون أن عودة طالبان للحكم في أفغانستان من شأنه إعادة خارطة العودة للتنظيمات الإرهابية مجتمعة، سواء القاعدة وداعش، لا سيما أن الحركة تضم ما يسمى بالحرس القديم، وهم قادة متأثرون بتنظيم القاعدة.
المحلل السياسي الأمريكي مايكل مورجان يقول: "نواجه مشكلة كبيرة مع تطورات الأوضاع في أفغانستان خاصة في ظل التمدد السريع لقوة طالبان وسيطرتها على العاصمة، ما قد ينتج عنه سيناريوهات صعبة".
هذه السيناريوهات، وفق مورجان، تتمثل في "نقل بؤرة الإرهاب إلى أفغانستان وتشكيل بؤرة جديدة، سواء من خلال الإعلان عن تنظيم جديد، أو تحالف معلن بين الحركة والقاعدة".
وتابع: "أتصور حدوث نوع من إحياء لفكرة الدولة الإسلامية في أفغانستان وتصبح البلاد منطقة صراع، وكل هذا سيتضح معالمه مع 11 سبتمبر المقبل" حيث ذكرى الهجوم الإرهابي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة.
وأضاف: "أعتقد أن طالبان بصدد الإعلان عن حدث جلل في ذكرى أحداث 11 سبتمبر المقبلة، لا أعلم سيكون إعلانا للنصر متمثلا في الإعلان عن حركة جهادية جديدة أو التعاون مع القاعدة.. شيء من هذا القبيل".
وكان المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة "طالبان" قال أمس في تصريحات متلفزة إنّ "شكل النظام الجديد في أفغانستان سيتضح قريباً".
ويرى "مورجان" أن "الإدارة الأمريكية السابقة تعاملت بخطأ كبير مع طالبان، إذ سمحو لها بالتفاوض على عدم وجود الحكومة الأفغانية ضمن محادثات فبراير 2019، وهو ما منحهم قوة بشكل كبير، بالإضافة إلى خطأ سحب الإدارة الحالية للقوات بشكل سريع ما أدى إلى حالة اللاتوازن".
ووصف رد فعل الغرب حيال تمدد طالبان "بالغريب"، لافتا إلى أن "سيناريو العراق يتكرر في أفغانستان فعندما خرجت الولايات المتحدة من العراق تركت كما كبيرا من السلاح معه فراغ لتنظيم جديد في المنطقة وهو داعش.. وهو ما يتكرر حاليا".
بدوره، يتبنى إمام غريب، باحث في الشأن الدولي والأمريكي، فكرة "وجود تنسيق بين حركة طالبان والقاعدة، قائلا: هناك بالفعل تنسيق لأن هناك حركة قوية لطالبان ولداعش هناك، وبالتالي عودة طالبان وتمددها يؤكد أن تنسيقا معلنا سوف يتم بين محور الشر".
وفي تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أضاف: تحالف هذا المحور المتمثل في طالبان والقاعدة بصدد أن يتمخض عنه انتشار للإرهاب في العالم وتحديدا من هذه البؤرة الآسيوية".
ويؤمن "غريب"، كغيره من المراقبين، أن الولايات المتحدة تسرعت في الانسحاب من أفغانستان وكان يجب عليها أن تبقي عددا من قواتها حتى لا يحدث خلل في هذه المنطقة المهمة في العالم ولتثبيت الخروج الآمن لقواتها".
ويختتم المختص حديثه: "الآن طالبان ترى نفسها أنها انتصرت على القوى الدولية.. وعلى جيش قوامه 300 ألف مقاتل من الجيش الأفغاني، وسنشهد الفترة المقبلة مزيدا من سيطرة طالبان وبسط نفوذها".
خريطة الانتشار
مصطفي صلاح، المتخصص في الشؤون الدولية، يقول إن "صعود حركة طالبان من جديد بمثابة انتصار ليس للإرهاب العالمي أو الإرهاب العابر للحدود، بقدر ما هو انتصار لجماعة محلية تمكنت من بسط سيطرتها وشروطها على القوى الإقليمية والدولية فيما يتعلق بتحقيق أهدافها السياسية".
وفي تصريحات لـ"العين الإخبارية"، غزا سرعة حشد طالبان وسيطرتها على كابول إلى "تراجع شعبية الرئيس أشرف غني وهو ما ترتب عليه مزيد من التمكين الميداني وسيطرتها على الكثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية".
ويرى الخبير أن "ظاهرة الإرهاب الدولي ستتفاقم في هذه المنطقة، حيث إن أفغانستان لها أهمية استراتيجية كبيرة، وهي بمثابة بؤرة الانطلاق والتمركز لكثير من الجماعات المتطرفة مثل داعش بعد انحصار وجودها في سوريا والعراق".
وأضاف: "سهولة انتشار الجماعات الإرهابية في أفغانستان وكونها ذات حزام أمني ضعيف.. عنصران سينعكسان على رسم مسار جديد لخريطة الإرهاب لهذه الجماعات، خاصة أن هناك ترابطا كبيرا بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة".
ومتفقا مع مورجان وغريب يرى "صلاح" أن "الانسحاب الأمريكي بمثابة قبلة حياة للتنظيمات المتطرفة فيما يتعلق بإعادة تمركزها ودخول هذه الجماعات لسد الفراغ الأمني وإحكام سيطرتها المحلية على السكان".
الموقف التفاوضي
وتوقع "صلاح" أن "تأثيرات عودة طالبان حاليا ستكون أكبر مما حدث في أعقاب ١١ سبتمبر ٢٠٠١، قائلا: "الموقف التفاوضي للحركة أكبر وأصبحت في مركز متقدم تملي شروطها على القوى الأخرى، وهو ما سمح لها بالعودة مجددا على الساحة الأفغانية".
وتابع: "اختيار التوقيت له دلالة، وهواجس سبتمبر تكمن في القوة التفاوضية لهذه الجماعات مقارنة بفترة ما بعد ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فهي بهذه السيطرة حصلت على موقف تفاوضي يسمح لها بتحقيق الأهداف، ومن الجانب الآخر إحراج القوى الدولية".
وراسما صورة لما بعد عودة طالبان، يقول صلاح إن "خريطة التنافس أصبحت تمتلك معادلة جديدة بعيدا عن الولايات المتحدة، فهناك التنافس بين تركيا وإيران لسد الفراغ في هذه المنطقة".
"أيضا حركة طالبان تمكنت من بسط نفوذها وحرية الحركة، وبالتالي فإن مستقبل مشاركة تيار أشرف غني في الحكومة المقبلة سيكون هامشيا، وسيكون لدينا نمط جديد وهو جماعة مسلحة تشارك في الحكم، ويكون لها سياسية خارجية وهو ما سيكون له تبعات خطيرة"، وفق الخبير.
ومنذ إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من البلاد مايو/أيار الماضي شنت الحركة هجوما واسعا على كامل البلاد، وبدا حينها أن سيطرتها على السلطة مسألة وقت، وهو ما حدث فعليا خلال الأيام الماضية، حيث بسطت الحركة نفوذها على مناطق البلاد.
aXA6IDE4LjExNy4xNTQuMjI5IA== جزيرة ام اند امز