خطابُ طنجة المغربية.. صرخة مقاومة على طريق الاستقلال
استقلال المغرب عن المستعمر الفرنسي شكل تتويجا لمحطات بارزة صنعها رجال المُقاومة الوطنية بقيادة السلطان محمد الخامس وأسرته.
ومن بين المحطات الراسخة في صرح الاستقلال، كان الخطاب التاريخي للسلطان محمد الخامس من مدينة طنجة شمالي المملكة، والتي كانت آنذاك تحت الوصاية الدولية.
ففي التاسع من أبريل/ نيسان من عام 1947، انتقل السلطان محمد الخامس إلى مدينة طنجة، مرفوقاً بعدد من الأمراء، وهُناك ألقى خطابه التاريخي الذي طالب فيه علانية وبشكل صريح باستقلال بلاده.
وشكلت الخطوة منعطفاً حاسما في مسيرة الكفاح الوطني المغربي من أجل الحرية والاستقلال، إذ دشن فيها الراحل محمد الخامس عهداً جديداً في مسلسل النضال من أجل طرد المستعمر.
لحظة فارقة أطلقت مرحلة المطالبة الصريحة والمُباشرة أمام المحافل الدولية بضرورة انسحاب الاحتلال، وتسليم زمام الأمور إلى القيادة الوطنية الشرعية.
ولم يكن اختيار طنجة أمرا عبثيا، بل جاء لكونها المدينة التي كانت خاضعة للوصاية الدولية، وبها يوجد مُمثلون عن جُل الدول العُظمى آنذاك، ولذلك قرر السلطان محمد الخامس شد الرحال إليها، وتسجيل هذا الموقف التاريخي الذي كان له ما بعده.
غضب المستعمر
سلطات الحماية الفرنسية لم ترقها خُطوة السلطان محمد الخامس، فشرعت في زرع العقبات والعراقيل لإفشالها، لكن دون جدوى، ليأتي الرد التاريخي من السلطان الراحل بقوله: "لا مجال مطلقا للرجوع عن مبدأ هذه الرحلة”.
وفي أعقاب ذلك، لجأت السلطات الاستعمارية إلى وسائل أخرى لثني السلطان والأمراء من التوجه إلى عاصمة البوغاز، لترتكب مجزرة شنيعة بحق مواطنين أبرياء، قبل يومين من موعد الرحلة إلى طنجة.
وكعادته، كان السلطان الراحل محمد الخامس في صف أبناء شعبه، إذ سارع إلى زيارة عائلات الضحايا ومواساتها، معبرا لها عن تضامنه معها إثر هذه الجريمة النكراء.
وعلى متن القطار الملكي، اتجه في التاسع من أبريل/ نيسان 1947، من مدينة الرباط نحو طنجة مروراً بعدة مدن لاقى فيها استقبالا حاشدا وتحية لأب الأمة وزعيم المقاومة.
حشود المستقبلين بالمدن وحفاوتهم كسرت مُخططات المُستعمر، وجددت التحام الشعب بالعرش، وأكدت تفاني أبناء الوطن في الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، واستعدادها للدفاع عن كرامة البلاد وعزتها.
خطاب تاريخي
وأمام حشد غفير ضم ممثلين عن الدول الأجنبية وشخصيات عدة من المغرب وخارجه، وقف السلطان محمد الخامس شامخاً، ليُعلن للعالم إرادة الأمة في الحُصول على حقها في استرجاع استقلال البلاد ووحدتها الترابية.
وحينها، قال السلطان محمد الخامس عبارته الشهيرة: "إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه، فما ضاع حق وراءه طالب، وإن حق الأمة المغربية لا يضيع ولن يضيع".
وشدد على عزمه على صون مستقبل البلاد وضمان حقوقها، مُسترسلاً: “نحن بعون الله وفضله على حفظ كيان البلاد ساهرون، ولضمان مستقبلها المجيد عاملون، ولتحقيق تلك الأمنية التي تنعش قلب كل مغربي سائرون”.
كما أكد أن عرش المغرب يقوم على وحدة البلاد من شمال المغرب إلى أقصى جنوبه، وأن مرحلة الحماية ما هي إلا مرحلة عابرة في تاريخ المغرب.
ولم يكتف السلطان بإلقاء خطابه التاريخي فقط، بل أم المواطنين في الجُمعة الموالية التي وافقت 10 أبريل/ نيسان من العام نفسه، حاثاً في خطبة حماسية الشعب المغربي على التمسك برابطة الدين الإسلامي لأنها "الحصن الحصين لأمتنا ضد مطامع الغزاة".