مونديال 2026 في أمريكا بلا مكاسب.. حرب ترامب التجارية تنسف التوقعات

إن قضاء يومٌ في ملعب كرة القدم، يُفترض أن يُوفر فرصةً مُمتعةً للهروب من الحروب التجارية والحديث عن الرسوم الجمركية وضغوطات الحياة.
وستُختبر هذه النظرية في كأس العالم لكرة القدم العام المُقبل، التي ستُشارك في استضافتها كندا والمكسيك والولايات المتحدة.
فهل يُمكن للولايات المتحدة، تحديدًا، تنظيم بطولة ناجحة تجذب الجماهير من جميع أنحاء العالم؟ أم أن التوترات والرسوم الجمركية والترحيل للمهاجرين، جميعها ستكون عوامل ستنفر الزوار والشركات من الحدث.
بحسب تقرير لبلومبرغ، فإن هذه السياسات توضح أن الرئيس دونالد ترامب لا يرى الفرصة الاقتصادية المُتاحة لبلاده من واحد من أكبر الأحداث الرياضية في العالم، إن لم يكن الأكبر على الإطلاق.
وقال مؤخرًا، عندما سُئل عن البطولة في المكتب البيضاوي، "أن تحاط البطولة بالتوتر أمرٌ جيد، إنه يجعلها أكثر إثارةً".
البطولة الأنجح ستكون أقل ربحية
ولكن على عكس تصريحات ترامب، تكمن المشكلة من دون شك في أن التوترات، من المرجح أن تجعل كأس العالم أقل ربحية بكثير، مما يُقوّض الحضور والرعاية وبعض الفوائد الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأجل التي يُفترض أن تُبرّر إقامة حدث ضخم في المقام الأول.
وتقول بلومبرغ، ليس علينا الانتظار حتى العام المقبل لنرى الخطر، يكفي أن نُلقي نظرة على الوضع الذي يواجه كأس العالم للأندية FIFA 2025 المُقبلة، والتي تنطلق في 11 مدينة أمريكية في يونيو/ حزيران المُقبل.
ويُسلّط كأس العالم للأندية الضوء على فرق محترفة من دول مُختلفة، عادةً ما تضمّ لاعبين من جنسيات مُختلفة، بينما تُشارك في كأس العالم فرق وطنية تُمثّل بلدانها.
ولسوء حظ الفيفا، كانت مبيعات تذاكر حدث الأندية لهذا العام مُخيّبة للآمال على مدار الأشهر الماضية.
ولم يكن من الصعب معرفة السبب، فالمُشجعين الأجانب، الذين لطالما كانوا مفتاح نجاح الأحداث الرياضية العالمية، يتجنّبون الولايات المتحدة، بسبب الرسوم الجمركية والترحيل المُكثّف.
على سبيل المثال، انخفضت الزيارات الخارجية للولايات المتحدة في مارس/ آذار بنسبة 11.6% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وانخفض السفر الجوي من المكسيك بنسبة 23%، بينما انخفضت الزيارات عبر المعابر البرية والرحلات الجوية من كندا بنسبة 32% و13.5% على التوالي.
وانخفض عدد الزوار من المملكة المتحدة، التي تُعدّ تاريخيًا أحد أكبر مصادر السياح الأجانب المتجهين إلى الولايات المتحدة، بنسبة 14.3% خلال الفترة نفسها.
هذه أخبار سيئة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي توقع الشهر الماضي أن يكون 40% من حضور مباريات كأس العالم للأندية من الأجانب.
ووفقًا لحساباته، من المتوقع أن ينفق هؤلاء المشجعون مجتمعين أكثر من 1.6 مليار دولار خلال الحدث الذي يستمر شهرًا.
حالات سابقة تكشف ما هو قادم
وبالنسبة للاتحاد الدولي للكرة، هناك قلق أكبر يلوح في الأفق، إذا لم تتبدد الرسوم الجمركية والتوترات قريبًا، فسوف تؤثر على الحضور الدولي لكأس العالم 2026 الأكثر شعبية وربحًا.
وهذا ليس مستبعدًا، حتى في حدث معروف بحماس المشجعين القوميين.
على سبيل المثال، في عام 2018، تجنب المشجعون البريطانيون السفر لحضور كأس العالم في روسيا بسبب مخاوف من عداء تجاه بريطانيا وخلاف دبلوماسي.
وفي مباراة ربع النهائي بين السويد وإنجلترا، لم تُبع 10 آلاف تذكرة.
ويمكن أن يتكرر هذا، بالنسبة للكنديون، الكثير منهم يتجنبون بالفعل السفر والمنتجات الأمريكية، وهم مرشحون بقوة للابتعاد عن البطولة.
هذا يهدر الكثير من المال المحتمل من الأرباح، وفقًا لدراسة أجريت عام 2024 بتكليف من لجنة استضافة كأس العالم 2026 في لوس أنغلوس، تقول إن المشجعون الزائرون خصيصا للبطولة، يدفعون أكثر بكثير من السياح الأجانب الآخرين، وكان معدل إنفاق الزوار بغرض التشجيع لا السياحة في بطولة عام 2002، أعلى بمقدار 1.8 مرة .
ومع توقع استضافة لوس أنغلوس 150 ألف سائح أجنبي إضافي خلال الحدث مقارنةً بالزوار المعتادين للمنطقة، قد تصل الخسائر إلى 343 مليون دولار من الإنفاق المباشر الذي يتوقعه المنظمون خلال البطولة الكبرى.
ولن يقتصر الأمر على أموال السياح فقط التي ستُفقد، من المرجح أيضًا أن يتأثر الإعلان والتسويق، خاصةً بالنسبة للمنتجات والشركات الخاضعة لرسوم جمركية باهظة.
على سبيل المثال، المعضلة التي تواجهها شركة لينوفو المحدودة، عملاق الإلكترونيات الاستهلاكية الصيني.
في أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت شريكًا رسميًا للاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، بتكلفة قد تصل إلى تسعة أرقام، حصلت بها على حقوق تسويق نفسها إلى جانب شعارات الفيفا وكأس العالم، بالإضافة إلى مزايا أخرى.
في ذلك الوقت، ربما بدا الأمر وكأنه وسيلة رائعة للوصول إلى مشجعي الرياضة الأمريكيين بالنسبة لـ لينوفو، ولكن الآن، ومع مواجهة منتجات الشركة الصينية الصنع مستقبلًا مليئًا بالرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها ترامب، قد تُعيد لينوفو النظر في خططها لتفعيل هذه الرعاية عبر حملات تسويقية أمريكية باهظة الثمن.
وربما ليست لينوفو الوحيدة في هذا الصدد، فشركتا كيا كورب، التابعة لشركة هيونداي موتور، وأديداس من بين شركاء الفيفا، حيث تواجه منتجاتهما رسومًا جمركية مرتفعة، وعليهما اتخاذ قرارات بشأن ما إذا كان ينبغي عليهما الإعلان للمستهلكين الأمريكيين.
وفي فبراير/شباط، أظهر استطلاع رأي أجراه مكتب الإعلان التفاعلي على 100 من صانعي القرار الإعلاني، أن 94% من المشاركين قلقون من أن الرسوم الجمركية ستؤثر على الإنفاق الإعلاني، وأن 45% منهم يخططون بالفعل لخفض نفقاتهم.
ترامب والهدف الذاتي
بحسب هذه البيانات يتضح أن الحرب التجارية التي يدعي ترامب أنها تهدف لتقوية الولايات المتحدة اقتصادياً، ستكون وفق ما ينتظر أمريكا في بطولة كأس العالم للمنتخبات، بلغة كرة القدم، هدف ذاتي.
وهذه صدمات قد تكون قصيرة إلى متوسطة المدى، لكن الرسوم الجمركية قد تكون أكثر ضررًا على المدى الطويل.
فقد تعيق خطط الفيفا لبناء إرث ما بعد كأس العالم في مجال الصحة واللياقة البدنية وزيادة مشاركة الشباب في الرياضات، مما سيؤدي في النهاية إلى سوق كرة قدم أمريكية أكبر.
وفي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، أعلنت الفيفا عن منح بقيمة مليون دولار لدعم بناء ملاعب كرة قدم للشباب.
إنها فكرة رائعة تأتي في وقت يعاني فيه الآباء بالفعل من صعوبة تحمل تكاليف الرياضات الشبابية.
ووفقًا لتود سميث، رئيس رابطة صناعة الرياضة واللياقة البدنية، وهي مجموعة تجارية تمثل مصنعي المعدات الرياضية، فقد ارتفعت تكلفة تجهيز طفل بأحذية رياضية وزي رياضي وواقيات قصبة للساقين، وكرة، بنسبة تتراوح بين 40% و50% بين عامي 2017 و2023.
وللأسف، من المتوقع أن تزيد الرسوم الجمركية من صعوبة تحمل هذه التكاليف في أمريكا، فمعظم المعدات الرياضية المباعة في الولايات المتحدة تُصنع في الخارج، وخاصةً للأطفال الذين يعانون بالفعل من صعوبة تحمل تكاليف اللعب.
وطالما استمرت الرسوم الجمركية والتوترات، ستفشل الولايات المتحدة في إدراك الفوائد والمتعة المرجوة من استضافة أحد أكثر الأحداث الرياضية شعبيةً وربحًا في العالم.
ولم يفت الأوان بعد لتغيير الوضع، فالعزوف عن ذلك يمكن به تجنب الهدف الذاتي.
aXA6IDE2MC43OS4xMDkuMTMxIA==
جزيرة ام اند امز