التكنولوجيا والترجمة لدعم صناعة الكتب.. أهم محاور "الناشرين" بالشارقة
أكثر من 500 متخصص من مختلف دول العالم يشاركون في "مؤتمر الناشرين" بالشارقة قبيل انطلاق الدورة الـ38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.
انطلقت، الأحد، في غرفة تجارة وصناعة الشارقة فعاليات الدورة الـ9 من "مؤتمر الناشرين" الذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب، قبيل انطلاق فعاليات الدورة الـ38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.
يأتي ذلك بهدف إيجاد فرصة لحشد الجهود العربية والعالمية من أجل الارتقاء بقطاع النشر، وتوفير منصة للحديث عن أهم البرامج المهنية في العالم بما يتعلق ببيع وشراء حقوق الترجمات.
وافتتح أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، بحضور ومشاركة أكثر من 500 ناشر عربي وأجنبي، فعاليات الحدث الذي يقدم على مدار ٣ أيام مجموعة من الجلسات النقاشية والحوارية وورش التدريب التي تستضيف نخبة من المتخصصين في قطاعات النشر العربية والأجنبية.
وفي كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية أكّد "العامري" أن الاحتفاء بالكتاب هو احتفاء بالحياة، والاهتمام به نهوض بالمجتمع بأكمله.
وأكد أن هيئة الشارقة تواصل المضي بترجمة رؤية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تدعو الجميع للاهتمام بالكتاب، كونها رؤية تؤمن بأن نهضة المجتمعات تبدأ من بناء الفرد على المعارف والعلوم والثقافة الإنسانية بتجلياتها الشاملة ورسائلها النبيلة.
وتابع رئيس هيئة الشارقة للكتاب: "نحرص سنوياً من خلال المؤتمر على توفير كلّ ما يلزم للارتقاء بعملية النشر، هذه الصناعة التنموية التي باتت رافداً للاقتصادات العالمية، فلا يخفى على أحد الواقع المتطور لهذه الصناعة، التي تتطلب منا حشد الجهود من أجل مناقشة قضايا النشر المختلفة وطرح حلولها، وتأثيرها على الناشرين المحليين والدوليين".
وأضاف: "وضعنا هذا العام وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للناشرين وشبكة الناشرين الإفريقيين تجربة النشر في القارّة محل دراسة وتحليل، للوقوف عند التحديات التي تواجهها، والفرص المفتوحة أمامها، وما يمكن العمل عليه للدفع بها قدماً نحو آفاق أكثر نمواً وارتقاءً".
وأكد "العامري": "نحرص على توسعة آفاق التعاون المشترك بين الناشرين العرب بما يحقق مستقبلاً أكثر تطوراً لهذه الصناعة، من خلال عقد صفقات واتفاقيات تجارية ناجحة تقود نحو الارتقاء بهذا القطاع ومضاعفة التنوع فيه".
أدار الجلسة الأولى التي جاءت تحت عنوان "النشر في العالم: ما هي الخطوات القادمة لتطوير الصناعة"، الدكتور عماد الدين الأكحل، مؤسس شركة "أي بي دي" للنشر، واستضافت كلاًّ من دومينيك راخا، المؤسس والمديرة التنفيذية لشركة "سورس بوكس" للنشر والتحرير الأمريكية، و"إيليوت أغياريه"، رئيس "جمعية الناشرين في غانا".
إلى جانب المدير التنفيذي لمؤسسة "سمارت لاين ببليشرز"، وجيد روبيرتسون، مديرة النشر الدولي في شركة "أوستن ماكولي بَبليشرز" للنشر البريطانية، وبيتر داولنغ، مؤسس شركة "أوراشيا ميديا" للنشر والإعلام في نيوزيلندا.
واستهلت دومينيك راخا حديثها بالإشارة إلى أن صناعة الكتاب العالمية باتت اليوم أكثر حيوية ونشاطاً مقارنة بعشر سنوات سابقة، كون العالم كان يعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية توقع خلالها الناشرون أن التغيرات الرقمية الحديثة ستدمر هذا القطاع، لكن الأمر جاء مغايراً واستفاد هذا القطاع من التطور التقني.
وأضافت: "يشهد سوق النشر حول العالم تطورات مستمرة خاصة فيما يتعلق بالكتاب الورقي، وهذا أمر جيد لمناخ صناعة الكتاب، وأنا أؤمن بأن صناعة النشر تحظى بالكثير من الدعم، ونحرص في شركتنا على تعزيز التقارب وفتح أسواق جديدة للتعاون والتواصل والوصول إلى جمهور جديد".
من جانبه، أكد إيليوت أغياريه أن العولمة والواقع الرقمي كان لهما وقع كبير على الناشرين، قائلاً: "في السنوات السابقة كان الناشرون يواجهون صعوبات على صعيد التوزيع والوصول بمنتجاتهم الإبداعية للأسواق الأخرى، لكن الآن الأمر اختلف، بات هناك ما يعرف بلوجستيات العولمة".
وأضاف: "العالم الآن بات متشاركاً بشكل كبير، وقد غدت عملية النشر والتوزيع أسرع من ذي قبل، وساهمت الخيارات التقنية المتطورة مساهمة كبيرة في تطوير هذه المجالات وأحدثت فروقات هائلة، وقد أظهر قطاع النشر مرونة عالية في مواجهة هذه التغييرات، والكثير تحدث عن أن الكتاب الورقي سيختفي ولكننا نعلم الآن أن الكتب الرقمية بكل ما تمتلك من خيارات لا تحظى بهذا الاهتمام الذي يمتلكه الكتاب الورقي".
من جهتها، قالت جيد روبرتسون: "شهد الإعلام الرقمي تحولات كبيرة حيث انتقل من الاعتماد على المصادر التقليدية إلى ما هو أكثر شمولاً حتى بتنا نستطيع التسوق أونلاين".
وأضافت: "وتشير الإحصائيات إلى وجود عدد كبير جداً من المستخدمين لمواقع التواصل، ما يحتّم علينا النظر لهذه المواقع على أنها منصات للترويج، وعليك كناشر أن تستفيد مما نسبته 60% من المتصفحين الذين ينظرون للمنتجات ويتركون تعليقاتهم، وما نسبته 90% من رواد المواقع يثقون في هذه التعليقات".
وتابعت روبرتسون: "لذا يجب على الناشرين الانتباه لهذا التطور والاقتراب بشكل أكبر منه والاستفادة لترويج منتجاتهم، كون هذا الواقع يتطور بشكل كبير، وبات من الضروري على الناشرين مواكبة هذا التطور".
بدوره علّق بيتر داولنغ، قائلاً: "عملية النشر متعددة اللغات تثري المنطقة، وتشهد نمواً ملحوظاً، ونحن ننشر الكتب باللغتين العربية والإنجليزية، وشعرنا أنه وخلال السنوات العشر الماضية انتقلنا إلى برامج النشر النشيطة ودور النشر الكبيرة حول العالم".
وأضاف: "هناك 20 مليون كتاب تنشر سنوياً، هذه الأرقام تستوجب توثيق علاقاتنا مع الكثير من الناشرين حول العالم ونرى العديد من المؤسسات التي تعتمد على الكثير من المواقع المعروفة للترويج لكتبهم، خاصة فيما يتعلق بكتب الأطفال، التي تحظى بنمو مثير للاهتمام لذا يجب علينا أن نخلق سوقاً خاصاً لأطفالنا مع مراعاة أن تحافظ على الواقع التكنولوجي المتطور، وتراعي حقوق النشر والملكية الفكرية".
وناقشت ثاني الجلسات التي حملت عنوان "نقل العناوين العربية للعالمية، كيف تعقد الصفقات مع الناشرين العرب"، أثر الترجمة في تمكين الأفراد من مختلف أنحاء العالم من الوصول للثقافة والمعرفة حول العالم.
واستعرضت خيارات عمل الناشرين وآليات بيع وشراء الحقوق وما يترتب على صعيد عقد الصفقات، حيث استضافت جولي أتريل، مدير الحقوق الدولية في مؤسسة "وايلي" لخدمات التعليم كلاًّ من: جاين بارسونس، مديرة النشر في مؤسسة "بلومزبيري" للنشر البريطانية، ومحمد عناد، دار مساء للنشر والتوزيع - كندا، ورمزي بن رحومة، دار "مسكلياني إيديشنز" للنشر من تونس، وفيصل النابودة، منسق عام مؤتمر الناشرين.
وفي مداخلة لها، قالت جاين بارسنز: "منح الترجمة تساعد بشكل كبير على تغيير آلية العمل في ما يتعلق بالترجمة التي نعتبرها واحدة من الخيارات المهمة والضرورية لإيصال المعارف والثقافات لجميع شعوب العالم، لأنها تمهد الطريق نحو مضاعفة الجهود وتقدم التسهيلات والخيارات أمام الناشرين، ونحن نعرف مكانة اللغة العربية".
وأكدت: "هذا الحضور مكننا من أن نواصل التعاون مع دور النشر العربية وأن نتبادل الترجمة مع المنتجات الإبداعية العربية، لكن علينا أن نوضّح مسألة وجود صعوبات تتعلق بالتقنيات وآليات النشر سواء على صعيد اختلافات اللغة أو التصاميم واستهداف الثقافات، خاصة الأعمال الموجهة للأطفال، لكن هذه المعايير تسهل الاتفاق على حلول ناجحة لها".
من جهته، قال محمد عناد: "حرصنا منذ التأسيس على صناعة كتاب يعبر عن الحالة الأدبية والشعرية كوننا لمسنا أن الكثير من دور النشر العربية لا تقدم صورة حقيقية للأدب المعاصر كونها تسعى للتجارة أكثر من نشر الأعمال المتميزة والتعريف بالثقافة العربية".
وأوضح: "انفتحنا بشكل أكبر على العالم من خلال الترجمة وتصدير الأدب العربي إلى العالم، وهذه المحاولة لابد أن نقول إنها بطيئة ونأمل في المستقبل أن نرتقي بها ونقدم أعمالاً تخاطب القراء بلغتهم وتعرفهم على ثقافتنا وإبداعاتنا".
فيما قال رمزي بن رحومة: "الترجمة هي نقل نص بكل بريقه من لغة إلى لغة أخرى، وهذا عمل ليس سهلاً، المعضلة التي تواجه عمليات الترجمة هي خسارة هذا البريق ووظيفة المترجم كبيرة ومهمة وهي إرجاع هذه القيمة".
وأضاف: "مررنا في تونس بمراحل صعبة، فكانت دور النشر تعيش بشيء من الاكتفاء ولم تخرج وتشارك في معارض الكتب الخارجية بل اكتفت بالوجود في أحداث وطنية، وغالبية دور النشر المحلية تركز على المحتوى المحلي، ويمكننا القول أن من ارتقى هي دور النشر التي طرقت أبواب العالمية".
وأوضحت رحومة: "لا يمكن إغفال أدوات العصر الذي أتاح الفرصة لنا للوصول إلى عدد كبير من القراء، في عالم الأدب هناك قيمة للتعاون ويجب البحث عن أي مجال لتدعيم أسس وسبل التواصل مع جميع الشعوب والحضارات، فالتحول من الصراع إلى الحوار يكون عن طريق الأدب والإبداع والكتاب".
وعلّق فيصل النابودة قائلاً: "يتجلى دورنا الرئيس في الهيئة من خلال تنظيم المؤتمر في جمع الناشرين من مختلف أنحاء العالم للتواصل والتلاقي، وإبراز جهود نظرائهم العرب والإماراتيين، والتعريف بما يقوده معرض الشارقة الدولي للكتاب وتقدمه منحة الترجمة".
وأضاف: "شاركنا في أكثر من 30 معرضاً حول العالم قمنا فيها بالترويج لما تحتضنه الشارقة من جهود ثقافية، حيث نحرص خلال المشاركات أن نجتمع بعدد كبير من الناشرين ونمد جسور التواصل والتلاقي، فنحن لا ننشر ولا نترجم بل هدفنا ودورنا هو فتح المجال للقاء الناشرين مع بعض، ومنحهم الفرص للمشاركة والتفاعل، باعتبارها الوسيلة التي نحرص من خلالها على تقديم الدار للسوق بشكل فاعل".