بقي بعد ذلك، الجزء الثاني من هذا الدرس وهو اختبار شعبية إيران في العالم العربي، وسقطت طهران في ذلك أيضاً
مرّت أيام على الغارة الجوّية الأمريكية التي استهدفت فيها واشنطن موكباً لمسؤولين إيرانيين وعراقيين مدعومين من طهران بالقرب من مطار بغداد الدولي في العاصمة العراقية، حيث قُتِل نتيجة ذلك الأسبوع الماضي، الجنرال المعروف قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني مع أبو مهدي المهندس، نائب رئيس ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقي.
بقي بعد ذلك، الجزء الثاني من هذا الدرس وهو اختبار شعبية إيران في العالم العربي، وسقطت طهران في ذلك أيضاً، فأنصارها كانوا ينتظرون رداً صاعقاً على الغارة الأمريكية، لكن الوقائع على الأرض بعد قصف القاعدتين الأمريكيتين في العراق، تؤكد أن لا شيء جرى، فقد فشلت في تحقيق أهدافها ولم يصب أي جندي أمريكي خلال تلك الضربات بأذى، الأمر الّذي وضع شعبية إيران لدى هؤلاء على المحك.
ومنذ ذلك الحين، شنّت واشنطن عدّة غاراتٍ جوّية على أهدافٍ أخرى في العراق وسوريا، وفي كلا البلدين استهدفت مقرّاتٍ لميليشياتٍ مسلّحة مدعومة من طهران في اليوم التالي من مقتل سليماني الّذي يعد واحداً من أبرز مؤسسي هذه الميليشيات في العراق وسوريا إلى جانب لبنان ودولٍ أخرى في المنطقة.
ونتيجة تلك الغارات لم تتوقف طهران عن تهديد واشنطن على لسان كبار مسؤوليها؛ كالرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته والمتحدّث باسم القوات المسلّحة الإيرانية.
ورغم أن تهديدات طهران كانت توحي بردٍ مُدمّر للقواعد الأمريكية في الشرق الأوسط بهدف الانتقام من مقتل سليماني كما توعّد روحاني لابنة المقتول خلال زيارة لعائلته، فإن ما جرى ليلة أمس، يؤكد أن الرد الإيراني باستهداف قاعدتين أمريكيتين في العراق، جاء لحفظ ماء الوجه أمام أنصارها، خصوصا أنها أخطأت في أهدافها ولم تحقق أياً منها.
وقبل هذا الرد المحدود، حاول المسؤولون الإيرانيون في تصريحاتهم بعد مقتل سليماني إرسال إشاراتٍ لأنصارهم داخل البلاد وخارجها حول وجود ردٍ إيراني محتمل، فقد قال أبوفضل شكارجي، كبير المتحدّثين باسم القوات المسلّحة الإيرانية بعد يومين من مقتل سليماني مع المهندس العراقي إن "إيران ستمتنع عن أي ردٍ متهوّر ومتسرّع".
لكن ما جرى من استهداف لقاعدتين أمريكيتين في العراق يوم أمس، يؤكد أن الرد الإيراني كان متهوّراً ومتسرّعاً، وهذا الأمر يؤكد أن طهران تتخوف من أي تصعيدٍ عسكري أمريكي ضدها في المنطقة، خصوصا أن سليماني قُتِل مع المهندس في بغداد التي تراها طهران كحديقةٍ خلفية لها.
كما أن زيارة كل من روحاني وخامنئي لعائلة سليماني وما سبقها من تصريحاتٍ لكبار المسؤولين الإيرانيين الذين توعدوا بالانتقام، تؤكد أهمية سليماني كزعيمٍ كان يقود أحد أبرز فروع الحرس الثوري الإيراني خارج بلاده، ما يعني أن مقتله في غارةٍ جوّية أمريكية مع المهندس العراقي وضع طهران أمام امتحانٍ كبير.
وجاء هذا الامتحان الأمريكي لإيران على جزأين: الأول سقطت فيه طهران، فهي كانت تعتقد أن واشنطن لن تستطيع رصد تحرّكات أبرز شخصياتها في المنطقة من أمثال سليماني والمهندس، لكن المسؤولين وقعا مؤخراً بمنتهى السهولة في مرمى نيرانها لوجود ثغراتٍ أمنية هنا وهناك وخسرتهما طهران في غارةٍ جوية.
بقي بعد ذلك الجزء الثاني من هذا الدرس وهو اختبار شعبية إيران في العالم العربي، وسقطت طهران في ذلك أيضاً، فأنصارها كانوا ينتظرون رداً صاعقاً على الغارة الأمريكية، لكن الوقائع على الأرض بعد قصف القاعدتين الأمريكيتين في العراق، تؤكد أن لا شيء جرى، فقد فشلت في تحقيق أهدافها ولم يصب أي جندي أمريكي خلال تلك الضربات بأذى، الأمر الذي وضع شعبية إيران لدى هؤلاء على المحك.
في الوقت الحالي، يمكننا أن نقول إن طهران فشلت بجدارة أمام أنصارها بالكشف عن وجود قوتها التي توازي قوة أمريكا وهي الّتي اعتادت لعقود على تصدير هذه الصورة عن نفسها لهم!
لذلك، الرد الإيراني لم يكن صاعقاً، لا سيما أنه لم يكن موجهاً للداخل الأمريكي انطلاقاً من الأراضي الإيرانية، بل للعراق المجاور وهناك مليشيات مدعومة منها في هذا البلد، أسهمت في الهجوم على القاعدتين الأمريكيتين.
وبالتالي إن حصول هذا الرد الذي أسهمت فيه مليشيات من بغداد التي تطالب واشنطن بسحب قواتها من العراق، يعني أن طهران لا تستطيع أن تتحدى واشنطن أبداً، ويعني كذلك أنها ضعيفة بشكلٍ مخيّب لآمال جمهورها في العالم العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة