تجاوزات نظام أردوغان وصلت في بعض القضايا إلى محاولة الإساءة إلى الرموز السياسية في العديد من دول العالم ولا سيما الدول العربية.
صرحت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، يوم الثلاثاء الماضي، بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدرس فكرة إدراج جماعة "الإخوان المسلمين" لتكون ضمن القائمة الأمريكية الإرهابية.
ومع أن الجميع يدرك أن هذه الفكرة ليست جديدة في دوائر صنع القرار الأمريكي حتى من أيام الرئيس السابق باراك أوباما، لكن يبدو مثيرا أن هذه المرة أكثر جدية ورغبة في التصنيف، وهو ما يدعونا إلى محاولة فهم الصورة بشكل أوسع على المستوى التحركات الإقليمية التي لها تأثير دولي على اعتبار أن حدوث ذلك سيكون مقدمة لانقلاب استراتيجي في خريطة القوى المتنافسة على النفوذ في المنطقة.
تضخم دور أردوغان في العديد من دول العالم خاصة بعد ما كان يعرف بـ"الربيع العربي" بفعل هذه "الجماعة" حتى اعتقد أن وزنه السياسي أيضا صار كبيرا، وبالتالي القلق أن السماح له في ذلك الاعتقاد قد يخلق حالة إيرانية جديدة على حساب الاستقرار والأمن الإقليمي وبالتالي الدولي.
ربما صدى هذا التصريح تجلى بشكل واضح في تصريحات الرئيس التركي أردوغان عندما رفض تكرار تجربة الربيع العربي في تركيا؛ ما يعني أن القرار سيمس الطموحات الأردوغانية في عودة دولة الخلافة الإسلامية؛ حيث اعتاد على التغلغل في الدول العربية وغيرها من خلال هذه الجماعة "الإخوان المسلمين" المنتشرة في كل أنحاء العالم بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، وهي آخر محاولات دغدغة مشاعر الإسلامية التي كانت مع مسلمي نيوزيلندا على خلفية مذبحة مسجد كرايست تشيرش في تعبير واضح لواحدة من مبادئ هذه "الجماعة المشؤومة"، وهو عدم الاعتراف بسيادة الدولة الوطنية ولكن محاولته باءت بالفشل؛ نتيجة لطريقة إدارة رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرين، للأزمة داخليا وخارجيا التي كسبت الكثير من الإعجاب واحترام العالم وخسر أردوغان.
كثيرا ما تم تجاهل ما يقوم به تيار "الإخوان المسلمين الإرهابي" من ممارسات وسلوكيات سياسية مؤذية في المجتمعات عموما، وكثيرا ما تم غض الطرف عنها من الأوروبيين حتى مع إلحاح الدول العربية التي تأكدت من خطورتهم إلا أن جدية الإدارة الأمريكية الحالية يفهم منها أنه يمهد الطريق لمعاقبة الرئيس التركي الذي بانت طموحاته السياسية الفائقة للحدود المرسومة له، بل إنه يقوم في أحيان كثيرة بفتح مجال لتهديد المصالح الأمريكية من خلال التعاون العسكري مع خصمها روسيا -العدو الأول لأعضاء "حلف الناتو"- وبالتالي فإن المستهدف ليس الإخوان المسلمين فقط وإنما الأهم هو استباحة نظام أردوغان في تطبيق صريح لنظرية "اشترِ واحدة وخذ الثانية مجانا" أو بمعنى آخر: سقوط الإخوان يعني وضع حد لطموحات أردوغان.
أعاد الموضوع إلى أذهاننا الدور الذي كانت تلعبه مليشيات الشيعة الموالية لنظام الملالي في إيران وطريقتها في أن تكون "الطابور الخامس" في المجتمعات العربية؛ فكون أن النظام التركي أساسه من "الإخوان المسلمين" حتى وإن لبس ثوبا علمانيا؛ فطبيعي أن يكون قد تأثر هذا التيار يعني عمليا تأثر الطموحات التركية التي نمت مع أحداث الربيع العربي.
تجاوزات نظام أردوغان وصلت في بعض القضايا إلى محاولة الإساءة إلى الرموز السياسية في العديد من دول العالم ولا سيما الدول العربية خاصة في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي واقترن هذا التجاوز باستغلال الإعلام القطري وخاصة "قناة الجزيرة" في الإساءة إلى المؤسسات والأجهزة الداخلية للدولة، وهو ما أدى إلى استفزاز كل الدول في العالم ولم تعد نظرية "صفر مشاكل" قائمة بل انقلبت رأسا على عقب وصارت "صفر أصدقاء".
ما أريد قوله إنه لا يمكن استبعاد تركيا عن التطورات الحاصلة فيما يخص تيار "الإخوان المسلمين" في المجتمعات الغربية، وأكاد أجزم بأن حالة عدم التوازن والقلق التي يعيشها الرئيس التركي أردوغان والتي يهدد بعدم السماح من تكرار الربيع العربي بأنها عبارة عن صدى للقرار الأمريكي المرتقب؛ لأن هناك تداخلا بين حسابات الإخوان المحلية والطموحات الأردوغانية في دولة الخلافة.
تضخم دور أردوغان في العديد من دول العالم خاصة بعد ما كان يعرف بـ"الربيع العربي" بفعل هذه "الجماعة" حتى اعتقد أن وزنه السياسي أيضا صار كبيرا، وبالتالي القلق من أن السماح له في ذلك الاعتقاد قد يخلق حالة إيرانية جديدة على حساب الاستقرار والأمن الإقليمي وبالتالي الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة