الدول الأكثر قوة اقتصادية ومتانة سياسية اضطرت للتضحية بجزء من "استقلاليتها" لتبقى مغردة في سرب العولمة
تخيل معي أن يخرج حسن نصر الله أمين عام منظمة حزب الله الإرهابية منتقداً الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها الشعب الإيراني، أو أن يتحدث أبومحمد الجولاني قائد جبهة النصرة في سوريا عن ملف الفساد القطري في تنظيم كأس العالم، ولماذا لا يتوانى أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة عن انتقاد من يشاء من الأنظمة العربية والغربية؟!
والمنظمات الإرهابية التي تأخذ مواردها المالية من دولة خارجية تسلّم قرارها لتلك الدولة الراعية لها، لذلك نجد تغلغل بعض الدول في دعم أنشطة منظمات إرهابية لاستخدامها كورقة ضغط سياسية أو استخدامها كأداة في مشروعها، إما التوسعي كحزب الله وإيران أو الفوضوي كجبهة النصرة وقطر
بالطبع لم يكن ما سبق محض صُدفة، بل هو نتيجة وعي وخيارات اتخذتها التنظيمات الإرهابية، وقام الباحثون بدراسة هذا السلوك المؤسسي لمعرفة درجات استقلالية المنظمات الإرهابية وأسبابها، وانعكاس ذلك على عملياتها ومدة بقائها، وهذه الاستقلالية في مفهومها العام تتشابه مع مبدأ استقلالية الدول وسيادتها في اتخاذ قراراتها المصيرية، وحتى الدول الأكثر قوة اقتصادية ومتانة سياسية اضطرت للتضحية بجزء من "استقلاليتها" لتبقى مغردة في سرب العولمة، ووفق لفكرة "الثالوث غير المقدس" فإن السياسات النقدية للدول لم تعد بمنتهى الاستقلالية للدول، وإنما على الدول أن تختار شيئين فقط من أصل ثلاثة لتقديم الثالث عربوناً للعولمة: ثبات العملة وحركة رؤوس الأموال وأخيراً سياستها المالية المحلية.
كما أن ندرة الأبحاث السياسية أو المؤشرات الدولية التي تحدد من خلالها درجات استقلالية الدول انعكست على دراسات المنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، إلا أنه من الواضح أن هناك منظمات إرهابية أكثر استقلالية من غيرها وأخرى أقل استقلالية، وعند النظر إلى تاريخ هذه المنظمات نجد أن قبول الجماعات الإرهابية لدعم خارجي ولرعاية دول تدعمها وتمولها يقوض من استقلالية الجماعة الإرهابية، وبالنتيجة نرى أن الاستقلالية هُنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالموارد وكيفية الحصول عليها.
وبما ان استقلالية الدول تختلف عن استقلالية الجماعات الإرهابية ، وجب التنويه إلى أن المقصود بهذه الاستقلالية هنا هو حُرية التنظيم في اختيار أهدافه وتوقيت هجماته والأسلحة المُستخدمة وطريقة ادارة التنظيم ، وتنخفض درجة استقلالية هذا التنظيم عندما يعتمد على جهة خارجية وحيدة من أجل تمويله وتوفير معظم موارده، وكذلك تقل نسبة السيطرة على التنظيم الإرهابي في حال دخول أكثر من جهة لتمويله ، فالأمر أشبه بتملك الحصة السوقية من اسهم التنظيم الإرهابي.
والمنظمات الإرهابية التي تأخذ مواردها المالية من دولة خارجية تُسلّم قرارها لتلك الدولة الراعية لها ، لذلك نجد تغلغل بعض الدول في دعم انشطة منظمات إرهابية لاستخدامها كورقة ضغط سياسية أو لاستخدامها كأداة في مشروعها إما التوسعي كحزب الله وإيران أو الفوضوي كجبهة النصرة وقطر ، وانعكاس ذلك دور قطر الغريب في تسويات الرهائن واخلاء المناطق وانفاذ الهُدَن في كل ماله علاقة لجبهة النصرة في سوريا.
وفي الجهة الأخرى نجد منظمات إرهابية لا تقبل رعاية من دولة أو جهة خارجية، إذ تعمل على بناء شبكة تمويلها ذاتياً حتى وإن شحت مواردها فهي تقيّم الإيجابيات والسلبيات لخضوعها تحت رحمة أهواء دولة راعية لها، أو أنها ستقوم باستثمار الموارد المُقدمة إليها من جهة خارجية لتصل بنفسها إلى مرحلة الاكتفاء المالي الذاتي وتتخلص من ذلك القيد الذي يُهدد استقلاليتها.
وقبول أي مُنظمة إرهابية لتتبرع ودعم خارجي يدفع إلى 3 سيناريوهات متاحة:
الأول: أن تستمتع المنظمة بثمرة هذا التبرع العارض مع تجاهلها لتأثير ذلك على استقلاليتها، وهو قُصر نظر من قادة التنظيم وهذا ما حصل مع جماعة (أبونضال) وأنظمة كنظام القذافي ونظام صدام حسين.
الثاني: أن تُقدم الدولة الراعية للإرهاب دعمها بشكل ممنهج، حيث تضمن ألا تتمكن الجماعة الإرهابية أو المليشيات المُسلحة من تنويع مصادر دخلها وتبقى خاضعة لأهوائها وهو ما يفعلُه النظام الإيراني مع مليشيات الحوثي في اليمن.
الثالث: وهو أن تقدم الدولة الراعية دعماً غير مشروط للتنظيم الإرهابي أو أن التنظيم يجدُ أساليباً للتحايل على الدولة الداعمة من خلال استحداث شبكات تمويل جديدة تغنيها عن الدولة الراعية لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة