يُركّز الرأي العام الدولي على مسألة ما سيحدث في تشاد بعد وفاة ديبي.
الجواب بسيط للغاية، أياً كان الحاكم الجديد، ما لم يبقَ الجيش في مواقعه وينتهج سياسة ديبي، فسيكون هناك احتلال من قبل الإرهابيين، دون أدنى شك، للأراضي التي يعتبرونها الأكثر هشاشة وقابلية للاحتلال.
ما هي مهمة الإرهابي في هذه الحالة؟ احتلال جزء من الأرض بأقل خسائر ممكنة وتضخيم ذلك الحدث بتغطية إعلامية دعائية هائلة. ومع الضغط الذي يواجهه "داعش" (ولاية غرب أفريقيا/بوكو حرام) في شمال شرق نيجيريا على حدودها مع تشاد، حيث فقد التنظيم للتو 12 من قادته، فإنه من المنطقي أن يحاولوا الآن جسّ نبض الجيش التشادي من خلال امتحان قدرته على التصدّي لهم، خاصة شمال العاصمة نجامينا، ومتى تأكدوا من قدرتهم على الاختراق، فإنهم سينقلون جزءاً من مقاتليهم إلى هناك.
إن الضغط الذي يمارسه "داعش" على الدول المجاورة انطلاقاً من نيجيريا مستمر ودائم، وقد يتوسّع التنظيم أكثر نحو تشاد والنيجر. ولتأكيد سعيه للتمدّد، لم يتردد "داعش"، في أوائل أبريل/نيسان الجاري، في مهاجمة نقطة عسكرية في النيجر بالقرب من الحدود مع نيجيريا برتل يتكوّن من 20 شاحنة "بيك آب".
في النيجر، يحافظ "داعش" على وجوده عن طريق مجموعتين؛ فرعه في "الصحراء الكبرى" في الشمال، و"بوكو حرام" في الجنوب. في غضون ذلك، يظل تنظيم "القاعدة" متمركزاً غرب النيجر، لأن "داعش" لا يسمح له بالتوسع في تشاد. وإذا تدهور الأمن في تشاد، فسيتم احتلال هذه المساحة من قبل الجماعات التابعة لـ"داعش"، فرعه في الصحراء الكبرى وبوكو حرام، وقد تتيح هذه المعادلة الجديدة لـ"القاعدة" التحرك شرقاً، أي إلى النيجر.
ومن المعروف أن النيجر هي بلد رئيسي في هذه المنطقة، فهي تمتلك حدوداً مع ست دول متضررة من الإرهاب، ومن الغرب حتى الآن كان هناك نظام ديبي في تشاد الذي استطاع إبعاد الإرهابيين عن حدودها التي تقارب 1200 كيلومتر. وإذا تغيّرت المعادلة الأمنية في هذه المنطقة فسيكون ذلك كارثياً على النيجر وجميع البلدان المجاورة.
في الأسابيع الأخيرة، أوقفت النيجر شحنتي أسلحة قادمة من ليبيا إلى نيجيريا، وهو ما يطرح السؤال حول عدد الشحنات التي لم يتم الكشف عنها. من المهم جداً معرفة أن تهريب الأسلحة ينتقل من ليبيا إلى الجنوب، وهو ما يُعدّ في حدّ ذاته تحذيراً للمجتمع الدولي لممارسة المزيد من الرقابة على الحدود الجنوبية لليبيا. وحذرت الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي من أنه لا تزال هناك 29 مليون قطعة سلاح في ليبيا.
إذا كانت التوقعات حول منطقة جنوب وشرق تشاد ليست متفائلة، فإن الأمر ذاته ينطبق أيضاً على شمال البلاد. يجب ألا ننسى أن المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا ما زالوا هناك. هذا، بالإضافة إلى تجارة الأسلحة، وهو ما يعني أن هذا الخطر يجب أن يؤخذ في الاعتبار ليس فقط على مستقبل تشاد ولكن أيضاً في ليبيا وحتى معرفة قرارات أردوغان التي لا يمكن التنبؤ بها.
وإذا استثنينا الاختلافات بين البلدين، فإن تشاد الآن تعيش في نفس الوضع الذي كانت فيه بوركينا فاسو في سبتمبر/أيلول سنة 2015 قبل الانقلاب. المستفيدون الوحيدون من ذلك الانقلاب هم الإرهابيون، إذ لم يهتم أحد حينها بهذا الخطر لأن الجميع اعتقد أن الأمر هو امتداد لمعضلة دولة مالي المجاورة.
إذا لم يتم التحرّك بشكلٍ فوري في تشاد بالتعاون مع المجتمع الدولي، من خلال التمييز بين مستقبل البلاد وواقعها السياسي والخطر الوشيك الذي يمثله الإرهاب، فستكون هناك فوضى عارمة في منطقة الساحل، ما يتسبب في قلب موازين القوى لصالح إرهابيي "داعش" و"القاعدة" مرة أخرى.
إن الحل الوحيد لمستقبل البلاد هو ألا يتحرك الجيش التشادي من مواقعه ويواصل الحرب ضد الإرهاب بذراع حديدية كما كان يفعل أيام ديبي، وهو أمر يبدو صعباً، بكل صراحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة