عندما بدأ وجود المتطرفين في شمال مالي عام 2011، تم تشكيل الجماعتين الإرهابيتين الموجودتين الآن في منطقة الساحل. من جهة، كانت هناك حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (موجاو)، التي قررت لاحقاً الانضمام إلى "داعش"، ومن جهة أخرى، فرع تنظيم القاعدة الإرهابي
وأطلق "داعش" الإرهابي في البداية على مجموعته اسم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، والتي تحوّلت الآن إلى "الدولة الإسلامية في منطقة الساحل"، وقرر التقدّم نحو مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
أسس التنظيم المنافس "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، بعد أن رسّخ وجوده في مالي وبوركينا فاسو، وتوجّه نحو البلدان الساحلية، وإن لم يكن بهدف الوصول إلى موانئها، ولكن للبقاء في مناطقها الحدودية في الوقت الحالي.
وابتداءً من عام 2020، وجّهت كتيبة من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي هجماتها ضد شمال ساحل العاج. وكلّفت الجماعة الإرهابية، سيديبي رسماني، المعروف باسم حمزة، بتنفيذ الاستراتيجية ضد هذا البلد. من الغريب أنه في 8 يونيو/ حزيران الماضي، قررت بوركينا فاسو منح مكافأة قدرها 275000 يورو لمن يقدّم معلومات تقود إليه بسبب الضرر الذي يسببه لكلا البلدين.
وفي عام 2021، قررت ساحل العاج محاربة الإرهاب بطريقة غير تقليدية، ومنذ ذلك الحين لم تتعرض لهجمات، رغم محاولات الإرهابيين. وتعتمد "القاعدة" استراتيجية تتمثل في اختبار رد ومقاومة المناطق التي يرغبون في استهدافها. لقد استخدموها ضد بعض البلدان الساحلية في غرب أفريقيا. واعتماداً على القدرة على الاستجابة والمقاومة ضدهم، يقررون لاحقاً أين يهاجمون، أي المنطقة حيث يمكنهم إحداث الكثير من الضجيج الإعلامي مع عدد قليل من الضحايا في صفوفهم. وتركز الاستراتيجية على الغابات القريبة التي تسمح لهم بالاختباء وحيث توجد الزراعة والماشية التي يسرقونها لتحقيق الاكتفاء الذاتي وفقاً لأحدث استراتيجية للقاعدة.
كانت استجابة ساحل العاج قاسية ما سمح لها بالقضاء على الإرهابيين داخل أراضيها، لكن لا يمكن اعتبارها انتصاراً كاملاً، ما دام الإرهابيون يتواجدون في بوركينا فاسو المجاورة. من هناك، يتحكم فرع "القاعدة" في طرق الوصول إلى ساحل العاج، مما يؤكد أن النجاح لا يقتصر فقط على عدم التواجد في بلدك، ولكن أيضاً في عدم القدرة على إحداث ضرر من الدولة المجاورة. أسلوب آخر استخدمته "القاعدة" الإرهابية منذ 2021 ضد ساحل العاج هو شنّ هجمات دامية داخل بوركينا فاسو لإحداث موجات من اللاجئين إلى شمال ساحل العاج بهدف إضعاف واستنزاف الإيفواريين لوجستياً واقتصادياً.
وكشف اعتقال، علي سيديبي، الملقب سفيان، أنه كان العقل المدبر للهجمات في شمال ساحل العاج، وأن الجهة المسؤولة هي "كتيبة ماسينا" التي يقودها ممادو كوفا، التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
وابتداء من عام 2021، رأت ساحل العاج أن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون مصحوبة ببرامج اجتماعية، بالإضافة إلى جهود الشرطة والجيش. ومن بين التدابير التي اتخذها الإيفواريون: هيكلة جهاز المخابرات بقيادة واحدة، وإصلاح الطرق والمدارس، والتطور في إمدادات المياه أو تركيب شبكة هاتفية.
وأدت سياسة مكافحة الإرهاب في ساحل العاج إلى تغيير الإرهابيين لاستراتيجيتهم من خلال شنّ هجمات في غانا وتوغو وبنين. ولا تزال مجموعة بيول أو الفولاني الإثنية تخضع للتلاعب من قبل إرهابيي كتيبة "تحرير ماسينا" و"أنصار الإسلام"، حيث ينحدر جميع عناصرهما تقريباً من هذه المجموعة العرقية. يستخدمون هذا العامل كطريقة للتجنيد مع دعاية التماسك والمظلومية، مع العلم أنه وفقاً للدراسات الديموغرافية في غرب أفريقيا، لن يواجه الإرهابيون مشكلة في تجنيد مجموعة بيول العرقية في السنوات القادمة لتعويض قتلاهم بمجندين جددا.
يجب ألا ننسى أن الإرهابيين لا يريدون انتصاراً تقليدياً وشيكاً، بل يريدون البقاء كأطراف فاعلة في حرب استنزاف تستمر مع مرور الوقت ما يسمح لهم في نهاية الأمر بالجلوس على طاولة مفاوضات تمكّنهم من أن يكونوا جزءًا من الحكومات وفي أسوأ الأحوال تشكيل الحكومة نفسها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة