كشفت الحرب الروسية الأوكرانية تغيرات النظام الدولي، فبينما يسعى الغرب لتعزيز هيمنته على الاقتصاد العالمي عبر "مجموعة السبع"، تسعى "مجموعة بريكس" لتقديم الحلول البديلة لدول العالم، بتوقعات أن تصل مساهمة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 35% بحلول 2028.
تأسست "بريكس" عام 2006 بتكتل ضم روسيا والصين والبرازيل، تحت اسم "بريك"، ثم تحولت إلى بريكس عام 2011 بعد انضمام جنوب أفريقيا، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار، والتعامل بين دول التكتل بالعملات المحلية، ثم الاتجاه إلى عملة جديدة، تغير من النظام العالمي في المعاملات الدولية، وهو ما يفسر رغبة بريكس في توسيع قاعدة الأعضاء.
هدف بريكس الأسمى هو تشكيل كيان بديل للنظام المالي والسياسي الدولي الحالي، ما يفسر إنشاء "بنك التنمية الجديد" لدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها، ليكون بمثابة المؤسسات المالية الغربية، لاسيما: البنك الدولي وصندوق النقد، ما سيجلب مزيدا من الاستقلالية للدول التي لا ترغب أن تكون أسيرة القطب الأوحد.
أبدى عدد من الدول العربية رغبتها في الانضمام للمجموعة، بما فيها الإمارات والسعودية ومصر والجزائر والبحرين، ما سيضاعف ثقل المجموعة الاقتصادي والسياسي، وسيوفر منصة مثالية للدول غير الغربية لتبادل وجهات النظر حول ملفات عديدة، كالتمويل الدولي وأمن الطاقة والغذاء وتغير المناخ، وهي فرصة قيمة لدولة الإمارات للتواجد ضمن بريكس، كونها تستضيف قمة المناخ "كوب 28"، وتشارك بانتظام في أنشطة "مجموعة العشرين".
سيحاول الغرب تعطيل مجموعة بريكس من النمو، وتكوين فاعلية مؤثرة على المشهد الدولي، فقوة بريكس تعني إعادة التوازن في النظام الدولي، وإعادة هيكلة استراتيجيات المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، لتراعي مصالح العالم كله.
زيادة أعضاء بريكس تؤكد اتساع الفجوة بين واشنطن وحلفائها التقليديين، بسبب سياسات ضبابية، دفعت حلفاء الولايات المتحدة للاتجاه استراتيجيا نحو التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب، حفاظا على مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية.
لقد أدرك الغرب التوجه العربي الراهن في التوازن والتنوع في العلاقات الدولية، وستبقى تحديات الانضمام لبريكس غير واضحة، ولكن الأهم بتقديري، هو الفوائد وعلى رأسها، مواجهة التحديات العالمية، مثل ملفات الغذاء والطاقة والمناخ، عبر الاستفادة من تسهيلات ومميزات الانضمام للمجموعة، ما سيسهم في تحقيق التوازن الدولي، ويدعم السلام ويحقق التنمية الاقتصادية في العالم.
وتتميز دولة الإمارات بسياستها الخارجية الشفافة، وبتوازن علاقاتها الدولية، ما يضعها على مسافة واحدة من الشرق والغرب، بعلاقات استراتيجية طويلة الأمد تحقق الازدهار الاقتصادي، وهو ما أكده وزير الخارجية الإماراتي، سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في مقال نشرته مجلة "أربيان بيزنس"، بتاريخ 20 يونيو 2023، جاء فيه: "ويتطلب هذا العالم المتغير عملًا متعدد الأطراف، ويمكن تعزيز الحوار البناء من خلال منصات نشطة تمثل الاقتصادات النامية والناشئة على المستوى العالمي. ولطالما دافعت الإمارات عن قيمة التعددية في دعم السلام والأمن والازدهار على مستوى العالم".
قد تنجح بريكس أو تفشل في التحول إلى مجموعة رئيسية متعددة الأقطاب، وقادرة على الحد من الهيمنة الغربية، بحسب قدرتها على ضم دول فاعلة، تملك الثقل الاقتصادي والسياسي اللازم، وقد يكون السيناريو الأقرب هو استمرار المجموعة بوضعها الراهن خلال السنوات القادمة، ما يعني نجاح التكتل في التأثير على الأجندات العالمية، دون الحد من الدور الغربي.
تسارع التوجه العالمي الرامي إلى تشكيل نظام مالي اقتصادي مواز للنظام الحالي المدعوم غربيًا، خصوصا بعد تفاعلات الأزمة الأوكرانية، وسيشكل انضمام دول عربية محورية إلى بريكس نقلة نوعية في تنوع النظام الدولي؛ بإمكانياتها في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار، ما قد يسهم في توازن القوى بين الشرق والغرب، وسيحاول التكتل الغربي الحفاظ على التاريخ الذي صنعه بعد الحرب العالمية الثانية، ومقاومة نشوء تكتل شرقي جاذب لدول العالم، لأنه بني على أخطاء الغرب عبر الزمن، وفي نهاية الأمر، العالم تغير كثيرا ويحتاج لنظام دولي متوازن ومسالم ومتسامح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة