الجريمة جاءت لإفساد الأجواء العالمية الإيجابية التي تحدثها الجهود الساعية لتحقيق السلام والاستقرار بين الحضارات الإنسانية والأديان.
إن اللحظة الزمانية التي وقعت فيها الجريمة الإرهابية لمسجدين في نيوزيلندا، جاءت في وقت حساس جداً في ناحية مكافحة الإرهاب والتطرف المعروف بـ"الإسلاموفوبيا" الذي يمثله تنظيم القاعدة وتنظيم داعش.
لأنها جاءت في توقيت والعالم كله يستعد فيه لمرحلة ما بعدهما، حيث باتت قصص خسائرهم تحدث كل يوم في المناطق التي كان يسيطر عليها مقاتلوه الذين يستسلمون تباعاً، في هذه الأثناء والاستعدادات تسير لإعلان القضاء على واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية المحسوبة على الدين الإسلامي، قام متطرف أسترالي لا يقل فظاعة في إجرامه باقتحام مسجدين وارتكب جريمته أمام الرأي العام العالمي ونقلها على وسائل التواصل الاجتماعي مكلفاً نفسه مهمة الانتقام لضحايا المسلمين في الغرب وكأنه بذلك يقدم نموذجاً إرهابياً جديداً يمكن أن نراه مستقبلاً.
وأول ما يمكن أن يخطر على بال أي إنسان النتيجة التي ستتركها هذه الجريمة أنها قدمت خدمة مجانية لتنظيم "داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية الأخرى في المنطقة، لأن مثل هذا العمل لن يقوم به إلا من يسعى لإفساد الأجواء العالمية الإيجابية التي تحدثها الجهود الساعية لتحقيق السلام والاستقرار بين الحضارات الإنسانية والأديان، وعلى رأسها جهود دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وبالتالي سيساعد هذا الفعل الإجرامي على إحياء التطرف العالمي وربما الديني تحديداً كون أن المجرم حدد أسباب عمليته، وربما هذا ما فعله تنظيم "داعش" عندما أعلن عن أنه سينتقم للجريمة بالطريقة التي تمت في نيوزيلندا، وبالتالي ترك العالم في قلق.
الشيء الذي تأكد منه الجميع خاصة الجانب الغربي اليوم هو أن "الإسلاموفوبيا" ليس الوحيد المتهم بالإرهاب العالمي، كما أثبتت الجريمة أن التطرف لا يمكن أن يقتصر على دين أو جنس بشري معين ولا حتى مكان جغرافي، على اعتبار أن الدول الإسكندنافية هي في أقصى شمال العالم معروف عنها كصورة نمطية أنها دول تتعايش معها بعضها على الرغم من كل التفاصيل المجتمعية، فالكل بات يعاني ولا يمكن أن يجزم أنه بعيداً عن الإرهاب، وبالتالي الذي حدث بالأمس في مدينة أوتريخت بهولندا من شاب تركي يسير على الخط نفسه.
يمكن تحديد سبب إطالة ظاهرة الإرهاب وانتشارها الجغرافي في سببين، السبب الأول: أن كل الدول والمنظمات الدولية في العالم لم تنجح في الاصطفاف والوقوف في جبهة واحدة لمكافحة الإرهاب والتطرف، ولم ترتقَ هذه المؤسسات على بعض الاختلافات التي يمكن وصفها بالبسيطة في ظل حجم التحدي الكبير للإرهاب، وهي مسألة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ليصبح هم الجميع في العالم متركزا على القضاء أو التقليل من نتائجه، وإن لم يتفق الجميع على تعريف دقيق وواضح لهذين المفهومين، فلا يمكن الحديث عن الحل بشكل جدي.
في ظني أنه لم يعد هناك منطق لاستمرارية السؤال البيزنطي حول من هو الإرهابي ومن هو يمثل المقاومة.. الرأي العام يحتاج إلى صياغة عالمية للإرهاب وإلا ستكون الساحة متروكة لأصحاب الأجندات السياسية وللعابثين بأمن واستقرار العالمي وستظل الإنسانية هي من تدفع الثمن.
لم يعد هناك منطق لاستمرارية السؤال البيزنطي حول من هو الإرهابي ومن هو يمثل المقاومة.. الرأي العام يحتاج إلى صياغة عالمية للإرهاب وإلا ستكون الساحة متروكة لأصحاب الأجندات السياسية وللعابثين بأمن واستقرار العالمي وستظل الإنسانية هي من تدفع الثمن
السبب الثاني: أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب عموماً التي بدأت مع وصول ترامب إلى السلطة، تعتقد أن الحل الوحيد لحل مشكلة التطرف هناك هو بالتشدد وإلغاء الهويات منها الإسلامية التي أصبحت جزءا من مجتمعاتهم هناك بحكم الوجود والهجرة، بل إن البرامج السياسية للانتخابات باتت تركز على هذا الجانب؛ الأمر الذي يبدو كأن البيئة السياسية الآن تشجع على ظهور التطرف ضد المسلمين ولا تساعد على محاربة ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، بل إن أصحاب هذا التوجه المتعصب يصلون إلى الحكم في أحيان كثيرة، فالأمر إذن بحاجة من الحكومات العالمية والمنظمات الدولية إلى تشريع قوانين تجرم التعبئة الإعلامية والشحن الجماهيري الذي بدأ يتصاعد وتوقف الأحزاب السياسية التي تدعو إلى إلغاء الآخر.
ما حدث في الجريمة نيوزيلندا هي نتيجة لحالة التعبئة مدتها تزيد على عشرين عاماً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والآن كل العالم "يحبس أنفاسه" الآن خوفاً من أي تداعيات يمكن أن تحدث جراء ما حدث يوم الجمعة.
الذي أعنيه أنه كما أن الإرهاب والتطرف، للأسف، بات عملاً منظماً تقوم به جماعات إرهابية وأحزاب يمينية متطرفة بعضها تصل للسلطة؛ فإن مكافحته ومحاربته تحتاج إلى أن يكون هو الآخر منظماً من قبل الحكومات والمنظمات الدولية ذات العلاقة لأنه أصبح حاجة وإلا لن يكون الأمر إلا تشجيع كل تطرف للآخر، كما يحدث الآن، فالشيء الذي فعلته عملية نيوزيلندا أنها أعادت "الأمل" من جديد لتنظيم داعش.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة