الصومال.. انتخابات على حافة الهاوية
أصبح الصدام وعدم الثقة سمة أساسية للعلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الفيدرالية مع غياب الطرف الثالث الذي يمكنه التوسط بينهما
في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام 1969 يعتزم الصومال إجراء انتخابات عامة بأسلوب الاقتراع الشعبي المباشر "صوت واحد لكل ناخب" نهاية عام 2020، بعدما حالت قيود الحكم العسكري في عهد سياد بري (196-1991)، وانهيار الدولة - بعد سقوطه - دون إجراء انتخابات مباشرة.
فكانت الإدارة تسند لسلطات انتقالية، وفق أسلوب المحاصصة القبلية، بعد مؤتمرات المصالحة الوطنية، أو تؤول للرؤساء بأسلوب الانتخاب غير المباشر من خلال البرلمان، في إطار صفقات سياسية، تقتسم خلالها مقاعد البرلمان ورئاسة البلاد، وفقاً لعوامل قبلية وإقليمية، وليس حسب اعتبارات الكفاءة أو المؤهلات الشخصية.
وبعد وصوله إلى السلطة في فبراير/شباط 2017، تعهد الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو بإجراء الانتخابات بالاقتراع المباشر. وتبدو أهمية تلك الانتخابات في أنها ستحدد طبيعة النظام السياسي القادم بالبلاد، وهل سيكون مركزياً أم فيدرالياً، أم كونفيدرالياً مثلما طالب البعض مؤخراً. فضلاً عن دورها في تحديد أوزان القوى السياسية الداخلية الفاعلة وخارطة التحالفات الخارجية للصومال.
لكن ظلت هناك بعض العقبات التي قد تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. وفي مقدمتها الصدام بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية والخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات وتردي الحالة الأمنية والتدهور الاقتصادي والمشكلات الاجتماعية والصعوبات اللوجستية والتدخلات الخارجية.
- خبراء لـ"العين الإخبارية": فرص فرماجو في انتخابات الصومال "صفرية"
- تقرير دولي: حكومة فرماجو زورت انتخابات ولاية جنوب غرب الصومال
بلغت العلاقة بين الحكومة والمعارضة الصومالية حد التأزم، في ظل التضييق الحكومي على أنشطة الأحزاب السياسية "52 حزباً"، وتحجيم قدرتها على التواصل مع الجماهير، وهيمنتها على العملية السياسية التي تجلت بصدور قانون الانتخابات في مايو/أيار 2019، دون أن يسبقه حوار موسع بين شرائح المجتمع.
وأكدت المعارضة أن القانون الانتخابي يعبر عن رؤية حكومية ضيقة للغاية. فهو يأخذ بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة على مستوى الدولة، فيمنح الحكومة أفضلية التحكم في نتائج الانتخابات. ويغلق قنوات الاتصال بين الناخب وأعضاء الحزب الذي اختاره بالبرلمان. كما أنه يضع شروطاً مالية وتنظيمية تعجيزية أمام الأحزاب كمتطلبات للمشاركة بالانتخابات، ما قد يدفعها لتكوين ائتلافات حزبية غير مستقرة.
كما أكدت المعارضة مخالفة بعض مواد قانون الانتخابات لمواد الدستور المؤقت لعام 2012، حيث نص القانون الانتخابي في مادته الثانية عشرة على إجراء الانتخابات بنظام التنافس بين الأحزاب وأحقية المرشح الرئاسي للحزب الفائز بأغلبية أصوات الناخبين في تولي رئاسة الجمهورية تلقائياً، دون انتخابه من قبل البرلمان، بينما تنص المادة 89 من الدستور على انتخاب رئيس الجمهورية من قبل أعضاء مجلسي البرلمان الفيدرالي.
لكن أخطر ما في القانون الانتخابي هو سماحه للحكومة بتأجيل الانتخابات حال حدوث ظروف قهرية، ما يمهد لتمديد ولاية الحكومة الحالية والبرلمان، لمدة قد تصل لعامين، وبالتالي تمديد ولاية الرئيس فرماجو لذات المدة، وفقاً للمادة 56/7 من القانون. وهو الأمر الذي تصفه المعارضة بالسيناريو بالكارثي الذي سيضر بمسيرة إعادة بناء الدولة ويكسر قاعدة التبادل السلمي للسلطة في الموعد المحدد. ويعمق إضعاف الولايات ويكرس خضوعها للحكومة المركزية، ما يعصف بالمكتسبات التراكمية في مسيرة بناء الدولة خلال السنوات الماضية.
عبر الصدام بين الحكومة والمعارضة عن نفسه في مظاهر عديدة أهمها: التراشق الإعلامي، حيث تصف الحكومة معارضيها بالعمالة والتبعية للقوى الخارجية، فيما تتهمها المعارضة بالتسلط وشراء ذمم المسؤولين. كما نظمت المعارضة مظاهرات عديدة تطالب الحكومة بإعادة النظر في القانون الانتخابي. وأسست منتدى للأحزاب الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول يضم 6 أحزاب كبرى، بغية تكوين تحالف مناهض لهيمنة الحكومة المركزية.
من جهة أخرى، أصبح الصدام وعدم الثقة سمة أساسية للعلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الفيدرالية، مع غياب الطرف الثالث الذي يمكنه التوسط بينهما، رغم نص الدستور على الأخذ بالنظام الفيدرالي، الذي يحد من سلطات المركز ويعطي استقلالية نسبية للأقاليم. وكذا رغم تعهد الرئيس فرماجو بالعمل الوثيق مع الولايات، خاصة في مجالات الأمن والتنمية، إذ سعت الحكومة المركزية لقلب وتغيير النظام في بعض الولايات "جلمدج"، والتأثير على نتائج الانتخابات بجوبا لاند، وجنوب غرب الصومال، وإخضاع ولاية هرشيبلي للعقوبات المالية، وتأسيس ولاية جديدة حليفة لها بمحافظتي سول وسناج ومنطقة عين على حساب بونت لاند، بغية تكوين تحالف مضاد للمعارضة، بالإضافة لاعتقال المنافسين مثل مرشح الرئاسة بجنوب غرب الصومال مختار روبو الذي يقبع الآن بسجون الحكومة الاتحادية.
في هذا الإطار، أخفقت الحكومة ورؤساء الأقاليم في إصدار دستور جديد للبلاد، في ظل استقطاب المواقف بشأن تقاسم السلطة والقضاء والجمارك. وأعلنت أربع ولايات "بونتلاند، جلمدغ، هرشبيلي، جوبالاند" مقاطعتها قانون الانتخابات. فيما اتهمتها الحكومة بإقامة علاقات وثيقة مع قوى خارجية، مؤكدة أن ذلك يدخل في صميم اختصاصاتها السياسية والدّستورية، وأنه سوف يؤثر على مسار العملية الانتخابية. كما اضطرت الحكومة لطرد مبعوث الأمم المتحدة بالصومال نيكلوس هايسوم، بعد مطالبته بإجراء تحقيق حول الاضطرابات الأمنية بجنوب غرب الصومال، وإعرابه عن قلقه تجاه إمكانية تأثير تصرفات الحكومة على الانتخابات المقبلة.
يعد التدهور الأمني عائقاً قوياً في طريق إجراء الانتخابات المباشرة في بعض مناطق البلاد، خاصة تلك التي تقع خارج سيطرة الحكومة. وكذا المناطق التي اضطرت القوات المسلحة لإخلائها، احتجاجاً على عدم تقاضيها رواتبهم الشهرية. وهناك أيضاً عقبات لوجستية. أهمها الافتقار للكوادر البشرية المؤهلة لإدارة العملية الانتخابية، وعدم وجود إحصاء حديث للسكان، ووجود زهاء نصف مليون لاجئ، و1.5 مليون مشرد، ما يزيد من مشكلات تسجيل الناخبين 2 مليون ناخب، وتحديد الدوائر الانتخابية، والتعرف على طريقة التصويت، وفرز الأصوات، والتحقيق في المظالم الانتخابية.
وفي ذات الاتجاه، فإن وقوع مقر اللجنة الوطنية للانتخابات داخل مقر الرئاسة الصومالية يصعب من فرص التواصل بينها وبين أحزاب المعارضة. ويعزز فرضية عدم استقلالية اللجنة. يضاف لذلك الصعوبات المالية، المتعلقة بعدم قدرة الحكومة على تدبير الأموال اللازمة لإجراء الانتخابات. وهو ما دفع الدول والهيئات المعنية بالصومال مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وبريطانيا إلى التعهد بدفع 60% من تكاليف الانتخابات.
الصومال.. والتدخلات الخارجية
لم تسلم الصومال أيضاً من تدخلات الأطراف الخارجية، بغية إيصال بعض الساسة إلى المناصب العليا بالحكومة الاتحادية والولايات. وهنا تؤكد التقارير دور بعض الأطراف الخارجية في استقطاب الصومال خارج تحالف مكافحة الإرهاب، لتنضم إلى محور الدول الراعية للجماعات المتطرفة.
كما تكشف التقارير أدوار شركات النفط الأجنبية في دعم نظام فرماجو وحلفائه، خاصة بعد التمرير السريع لقانون النفط في مايو/أيار 2019، ما يفتح الباب أمام استشراء الفساد السياسي بالبلاد. وهنا يمكن تفسير حصول الشركات النرويجية على عقود لاستخراج النفط الصومالي وإعلان الخارجية النرويجية عن قرض بقيمة 359 مليون دولار للحكومة الصومالية التي يتولى رئاستها رجل أعمال صومالي - نرويجي هو حسن علي خيري.
إن استمرار وجود العقبات سالفة الذكر يجعل إقامة الانتخابات الصومالية في موعدها، وفق أسلوب الاقتراع المباشر محلاً للشك. وهو ما يوجب مواجهتها، سواء بتعديل القانون الانتخابي عبر حوار موسع مع الأحزاب السياسية. وتنظيم الحملات لتوعية المواطنين، وتعويض نقص القدرات اللوجيستية، بوضع الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. لكن على الرغم من ذلك يبقى التدخل الخارجي وتمسك الحكومة المركزية بالهيمنة على الولايات هما أهم أسباب الأزمة السياسية بالبلاد، وهو ما يبرر تمسك زعماء القبائل بنظام المحاصصة القبلية لدى اختيار أعضاء البرلمان وانتخاب الرئيس بشكل غير مباشر.
ومن المتوقع في تلك الحالة أن يفقد فرماجو منصبه كرئيس للصومال، بعدما أدخلت سياساته البلاد نفقاً مظلماً، بالسعي نحو تكريس هيمنة الحكومة المركزية على الولايات، والعمل لحساب القوى الخارجية، على حساب التواصل مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وقادة العشائر القبلية. وتزداد احتمالات حدوث ذلك في ظل تنامي التحالف المعارض لفرماجو الذي يضم اثنين من رؤساء الصومال السابقين هما شيخ شريف أحمد وحسن شيخ محمود، وعدداً من رؤساء الولايات الفيدرالية، ووزير الدفاع الأسبق محمد عبدي غاندي، والعديد من أعضاء البرلمان الحاليين والسابقين.
** د. أيمن شبانة مدير مركز البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMTMg
جزيرة ام اند امز