"القاسم الانتخابي" يعزل "العدالة والتنمية" المغربي
الحزب يهدد بأن الانتخابات "لن تمر بأي حال من الأحوال في حال تم تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي"
وجد حزب "العدالة والتنمية" المغربي نفسه يُغرد خارج السرب الحزبي والسياسي في البلاد في ظل إصراره على رفض تغيير القاسم الانتخابي في حساب نسب توزيع المقاعد البرلمانية، على الرغم من إجماع الأحزاب بدون استثناء على هذا المطلب.
ووفق سياسيين، فإن تغيير القاسم الانتخابي يمنع أي احتكار للعملية الديمقراطية التي يستفيد منها، حتى اليوم، الحزبان الأولان، أو ما يطلق عليه "الثنائية القطبية المصطنعة".
واعتبروا أن تهديدات الحزب بنسف العملية الانتخابية في البلاد دليل على تخوفه من عزله وإضعافه.
وتُجري وزارة الداخلية المغربية، مجموعة من الجلسات مع مُمثلين عن الأحزاب المغربية بدون استثناء، بغرض الإعداد المُشترك والديمقراطي للمحطات الانتخابية المُزمع إجراؤها العام المُقبل في المملكة المغربية.
طريقتان لاحتساب المقاعد
والقاسم الانتخابي، يوضح رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالمغرب، هو طريقة توزيع المقاعد بناء على قاعدة مُعينة، إما بالعلاقة مع عدد الأصوات الصحيحة، وإما عدد المُصوتين، وإما عدد المُسجلين في اللوائح الانتخابية، وبناء عليه يتم تحديد عدد الأصوات التي تُخول كُل حزب الحُصول على مقعد انتخابي.
وفي الانتخابات التشريعية السابقة، التي يُجدد بموجبها أعضاء مجلس النواب، ويُحدد الحزب الذي سيقود الحُكومة، اعتمد المغرب القاسم الانتخابي بالنسبة لعدد الأصوات الصحيحة، في حين تُطالب الأحزاب اليوم بضرورة تغيير هذه الطريقة، واحتساب القاسم بناء على أساس عدد المُسجلين في اللوائح الانتخابية، بحسب ما أوضحه لزرق لـ"العين الإخبارية".
والفرق بين النمطين، يقول لزرق، هو أن توزيع المقاعد بناء على عدد الأصوات الصحيحة، يمنح الأحزاب الكُبرى إمكانية اكتساح كامل للمقاعد، وذلك على حساب الأحزاب الصغيرة التي بدورها تُمثل فئة من المواطنين.
في حين أن توزيع المقاعد على أساس عدد المُسجلين يجعل الأحزاب على قدم المُساواة، ويُعطيها جميعاً نفس الحُظوظ في دُخول القبة التشريعية، والدفاع عن مطالب المواطنين الذين منحوهم أصواتهم، كما أنها تُحارب احتكار تيار سياسي أو اثنين للعملية السياسية.
وباختصار، يخلص لزرق، فاحتساب عدد المقاعد على أساس عدد الأصوات الصحيحة يُقصي العديد من الأحزاب الصغيرة التي حصلت على أصوات لابأس بها، والتي تجاوزت نصف مليون صوت في انتخابات 2016 الماضية.
إجماع حزبي
وفي الوقت الذي يقف حزب العدالة والتنمية المغربي في وجه مُقترح اعتماد القاسم الحزبي على أساس الأصوات المُسجلة، كشفت مصادر مُتطابقة لـ"العين الإخبارية"، أن آخر لقاء جمع وزارة الداخلية مع مُمثلي الأحزاب المغربية، والعديد من اللقاءات التي سبقته، عرفت إجماع الأحزاب المغربية على هذا المُقترح.
ولم يُفلحوا في تمرير موقفهم الذي جاء خارج الإجماع الحزبي في المغرب، إذ أكدت نفس المصادر، أن وزارة الداخلية تمضي نحو الاستجابة لصوت الأغلبية الساحقة التي تُطالب بـ"تعديل القاسم الانتخابي مع اعتماد المسجلين عوضا عن عدد الأصوات الصحيحة المعبر عنها".
ويُرتقب أن ترفع وزارة الداخلية، وفقاً لما يُخوله لها القانون المغربي من إشراف حيادي على الانتخابات في البلاد، مُقترحات تتعلق بتعديل القوانين المُشكلة لمدونة الانتخابات، ليُناقشها المجلس الحكومي ويُصادق عليها، قبل إحالتها على البرلمان بغرفتيه لمُناقشتها والمُصادقة عليها. فتصبح سارية المفعول بعد نشرها بالجريدة الرسمية.
وفي نفس السياق، استغرب إدريس لشكر، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذو المرجعية اليسارية والمُشارك في الحُكومة الحالية، خروج العدالة والتنمية عن الإجماع الحزبي، خاصة أنه التنظيم الوحيد الذي يرفض هذا المُقترح.
وأوضح في تصريحات صحفية أن الطريقة القديمة في احتساب المقاعد بناء على الأصوات الصحيحة، أدت إلى قُطبية حزبية مُصطنعة، وهيمنة حزبين وحيدين على أكثر من نصف مقاعد البرلمان المغربي.
ولفت إلى أن هذه الطريقة أدت إلى تضرر الكثير من الأحزاب السياسية ذات الباع الطويل في العمل الحزبي، مُشيراً إلى أن "هُناك العديد من المقاعد التي سُرقت من هذه الأحزاب لصالح أحزاب كبرى".
عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمُعاصرة المُعارض، والذي يُعد من أكبر الأحزاب المغربية، كما أنه يتوفر على ثاني أكبر حصة من المقاعد النيابية، بـ 102 برلمانياً، عبر بدوره عن تأييده تطبيق القاسم الانتخابي الجديد.
وأكد في تصريحات صحفية أن القائلين بكون إقرار القاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة فيه مُخالفة للدستور هو "تغليط واضح تبنته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية".
ولفت إلى أن "التوجه الموافق على التعديل يرى أن الانتخابات ليست موضوع حسابات عددية"، موردا أن "القاسم الانتخابي "الجديد" سيجسد البعد الديمقراطي، لكونه سيسمح للأحزاب الوطنية الأخرى بتمثيلية مناسبة داخل مجلس النواب، وسيسمح لها بتكوين فرق برلمانية مكتملة العدد، وهذا ما سيقوي التمثيلية الديمقراطية".
وأكد أنه ستتم "مواجهة أي احتكار للتمثيلية الديمقراطية التي يستفيد منها، حتى حدود اليوم، الحزبان الأولان، أو ما يطلق عليه "الثنائية القطبية المصطنعة" والتي لا تتماشى مع طبيعة تجربتنا وخيارنا الديمقراطي، المبني أساسا على معطى "التعددية السياسية والحزبية".
وأضاف أن "دور الحزب هو حماية الاختيار الديمقراطي، والتعددية داخل العملية الديمقراطية، والإسهام في تقوية مكوناتها السياسية، لما في ذلك من دلالة للمفهوم النبيل للعملية السياسية".
تهديدات
حزب العدالة والتنمية، أحد أكبر تنظيمات الإسلام السياسي في المغرب، لم يكتف بالتعبير عن موقفه المُخالف لجميع الأحزاب السياسية في المغرب، بل أطلقت قياداته تصريحات تُهدد بنسف العملية الانتخابية في البلاد، إذا ما تم قبول مُقترح الأحزاب الأخرى.
وقال القيادي في العدالة والتنمية، عبدالله بوانو، إن الانتخابات "لن تمر بأي حال من الأحوال في حال تم تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي، لأن ذلك سيجعلنا نحتسب الأموات أيضا، وهو ما يتضمن مشكلة دستورية"، مشدداً على أن حزبه هو المستهدف الرئيسي من هذه المطالب.
وقال محمد نجيب بوليف، عضو الأمانة العامة للحزب، في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك "إنهم يطلبون منا أن نقبل هذا النظام وإلا فنحن ضد التوافق"، مضيفا أن هذه بداية "لما سيأتي لاحقا والتعامل معه سيكون بما يلزم".
رشيد لزرق، الأستاذ الجامعي، أوضح أن هذه التصريحات، تأتي في سياق التخوف الكبير الذي انتاب الحزب من عزله أو إضعافه.
وأكد على أن "ما قامت به قيادات العدالة والتنمية يندرج في إطار سياسة المناورة الهادفة إلى تحسين الموقع التفاوضي باستثمار ضعف خصومها، وهذا التهديد يأتي في إطار تسوية بعض الملفات ومتابعة بعض قياداتها في إخلالات تدبيرية وجنائية، كما أن الحزب متخوف من عزله وإضعافه".
aXA6IDMuMTQ1LjEwOC40MyA= جزيرة ام اند امز