6 أسباب وراء حسم معركة الموصل
بوابة "العين" ترصد أسباب حسم معركة الموصل لصالح العراقيين خلال 9 أشهر من القتال.
تجددت آمال آلاف العراقيين، الذين فروا من الموصل، في العودة إلى ديارهم مرة أخرى بعد يوم واحد من إعلان الجيش العراقي الانتصار على تنظيم "داعش" الإرهابي وتحرير جامع النوري الكبير، غربي المدينة.
ومرت معركة الموصل التي انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، بأكثر من مرحلة لصعوبتها، نظراً لأهمية المدينة التي تعد ثاني أكبر المدن العراقية، وانتشار العناصر الإرهابية في شرقها وغربها، وتمسك داعش بها لكونها المعقل الرئيسي للتنظيم الذي خرج منه زعيمه "أبو بكر البغدادي" عبر منبر جامع النوري، معلناً دولة الخلافة المزعومة بالعراق وسوريا في 14 يونيو/ حزيران 2014 .
بوابة "العين" الإخبارية ترصد أسباب حسم معركة الموصل لصالح العراقيين.
1- قوات مشتركة متكاملة
منذ 9 أشهر، بدأت الاستعدادات الأولى لانطلاق معركة الموصل، ليقود الجيش العراقي التحالف المكون من قوات مكافحة الإرهاب وعناصر الشرطة الاتحادية "قوات التدخل السريع"، والفرقة التاسعة مدرعة والفرقة 15 وقوات البيشمركة وفصائل الحشد الشعبي.
وربما يظن البعض لوهلة أن تنوع القوات المشاركة بالمعركة، كان نقطة ضعف، لاختلاف الرؤى ووجود نزاعات طائفية بالعراق اشتدت مع ظهور فصائل الحشد الشعبي في نهاية 2003، لكن أهمية المعركة أجبرت جميع الأطراف على تجاوز التناحر الداخلي.
وعزز الجيش العراقي هذه القوات بما يتراوح بين 50 و60 ألف جندي، ليضم بعدها 140 ألفا آخرين بعد اشتداد المعركة شرق الموصل خلال الأسابيع الثلاثة الأولى، ويشارك بالقوات البرية والفرقة التاسعة والـ15 والـ16، فضلاً عن وجود وحدات حماية سهل نينوي.
وفي الوقت نفسه، انضمت وحدات الشرطة المكونة من وحدات التدخل السريع والشرطة الاتحادية، لتحمي أطراف المدينة ضد المسلحين، لتأتي مشاركة قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان، التي تتراوح بين 30 و40 ألف عنصر، لتدور معارك ومناوشات على حدود المدينة، تتولى عناصر البيشمركة القيادة فيها. ونظراً لنفوذ فصائل الحشد الشعبي بمنطقة تلعفر، تمكنت عناصره من صد هجمات داعش خلال المرحلة الأولى من المعركة.
أعداد العناصر المشاركة في القتال ضد داعش، ساهمت بشكل كبير في تشتيت انتباه التنظيم الإرهابي، ومكنتهم من الانتشار في شرق وغربي الموصل، فضلاً عن أن اتفاقهم المسبق على هذا التوزيع الأمني منحهم الفرصة لاستعادة أكبر مناطق ومدن في فترة قليلة، ما أدى لدعمهم معنوياً واستكمال التقدم بالمعركة.
2- التحالف.. دعم دولي
كان دور التحالف الدولي في معركة "قادمون يا نينوي" فاصلاً في حسم الكثير من الأمور، لتقود الولايات المتحدة دول التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بالعراق، حيث يتواجد آلاف العسكريين المسؤولين عن التدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية، فضلاً عن أن أغلب الضربات الجوية التي وجهت ضد معاقل وثكنات المسلحين نفذتها قوات التحالف.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الثاني 2016، أعلنت الولايات المتحدة إرسالها ما يقرب من 600 جندي لدعم القوات في المعركة برياً، ليصل عدد قواتها هناك إلى 5 آلاف عسكري، بجانب قوات من كندا وفرنسا وبريطانيا.
وجاء إعلان بدء معركة تحرير شرق الموصل ضد تنظيم داعش من قبل قادة التحالف، مع عزم على حسم المعركة خلال أشهر قليلة، ليمثل هذا الإعلان دعما ومساندة دولية كبرى لقوات الجيش العراقي بالمعركة.
كما أن الدعم بالأسلحة التي تنوعت بين مدرعات أمريكية ودبابات وطائرات هليكوبتر ومدافع رشاشة وقذائف صاروخية كان عنصراً أساسياً لترجيح كفة العراقيين في مواجهة أسلحة داعش التي تعتمد بشكل أكبر على المفخخات والعبوات الناسفة.
3- تصريحات القادة العسكريين.. دفعة معنوية
طوال تطورات سير المعركة، كانت تصريحات القادة العسكريين نقطة تحول في استعادة مدن وتحرير مناطق وقرى، وتدمير جسور وطرق إمدادات بين عناصر داعش بالموصل مركز محافظة نينوي وتلعفر، وقبل إعلان القوات العراقية نهاية داعش بالموصل في 29 يونيو/ حزيران الجاري، أعلن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، قرب نهاية داعش وحسم المعركة خلال أيام، بينما أكد أحد القادة العسكريين أن تطهير المدينة بالكامل لتصبح خالية من داعش سيستغرق 5 أيام.
وفي منتصف مايو/ أيار الماضي، ترددت عبارة "داعش على وشك الهزيمة الكاملة بالموصل" على لسان قادة عسكريين بالجيش والتحالف، ليؤكد جون دوريان، المتحدث باسم التحالف، اقتراب تحرير الموصل وطرد عناصر داعش، لتتشابه تصريحاته مع تصريحات العميد يحيى رسول، المتحدث العسكري العراقي، الذي أشار لتقلص المساحة المتبقية تحت سيطرة داعش إلى 1% غربي الموصل.
زيارة العبادي للقوات البرية عقب استعادة الساحل الشمالي الغربي بوابة التقدم والزحف نحو البلدة القديمة، لتمثل هذه التصريحات دفعة معنوية لقوات الجيش في مواجهة ممارسات داعش الإجرامية.
4- كشف نوايا داعش.. خسائر متتالية
قبل أن يلفظ التنظيم الإرهابي أنفاسه الأخيرة على أرض الموصل، لجأ إلى التفجيرات العشوائية واستهداف المدنيين بالإعدام والحصار، وغير ذلك من الممارسات الإرهابية، فضلاً عن تفجيره لجامع النوري الكبير ومئذنته، بهدف وقف الزحف البري والقصف الجوي والتقدم نحو حصنهم الأخير بالبلدة القديمة غربي الموصل، إلا أن القوات المتحالفة نجحت في كشف نوايا التنظيم الإرهابي، ومحاولاته البائسة لإثبات الوجود، بتكثيف الضربات الجوية واستمرار التقدم نحو معقله وثكناته بفضل قوة الاستخبارات العسكرية للقوات المدعومة من التحالف.
وبتوجيه ضربات جوية متتالية، فقد التنظيم 90% من مقاتليه، حيت قتل أكثر من 18 ألف داعشي بالحرب على أيدي القوات العراقية والتحالف الدولي، بينما قتل أكثر من 32 مسلحاً على يد مقاتلات إيزيديات، واعتقل المئات من الإرهابيين من قبل الشرطة الاتحادية، بينما أسرت قوات البيشمركة 90 داعشياً شرق الموصل، لتنجح القوات في تفجير مئات الألغام والعبوات الناسفة في شوارع وأزقة الموصل، اعتماداً على جمع المعلومات ومتابعات تحركات الخلايا النائمة بشرق وغربي المدينة. وفقد التنظيم الإرهابي 1139 مركبة مفخخة، 12 معملاً لتصنيع الصواريخ، 2111 لغماً أرضياً، 361 حزاماً ناسفاً، 49 طائرة مسيرة، 22 زورقاً نهرياً وأكثر من 1400 قطعة سلاح متنوعة و26 نفقاً كان يستعملها لتهريب المعدات والأسلحة.
5- التكتيك الاستراتيجي.. كلمة السر
إدراك صعوبة المعركة وخطورة الهجوم غير المخطط له، أدى لتغيير سيناريوهات الاشتباكات في أكثر من مرة، وتحقيق نجاحات متتالية، ليبدأ الهجوم من شرق الموصل أولاً، نظراً لإمكانية دخول الأسلحة الثقيلة للشوارع، وقلة الكثافة السكانية، وانتشار داعش المحدود بهذا الجانب مقارنة بأيمن الموصل، لتحرر القوات 338 بلدة وقربة حول وداخل الجانب الشرقي بالموصل.
وتمكنت القوات العراقية خلال الأسبوع الأول من السيطرة على عشرات القرى والبلدات، بالإضافة إلى تحرير مدينة قراقوش أكبر المدن المسيحية بالعراق، ليعود حوالي 50 ألف مسيحي إلى مدينتهم ويقيمون احتفالات بالشموع والموسيقى وأول صلاة بكنائس "مارشيمون ماركوركيس" بعد شهور طويلة من التهجير القسري، ونهب أموالهم ومنازلهم ومقتنياتهم من قبل داعش الذي بسط سيطرته عليها في يوليو/ تموز 2014.
وفي المرحلة نفسها، تم طرد داعش من أكثر من 28 حياً، و115 كم2 غرب المدينة، و1400 كم2 حول المدينة. وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تمكنت قوات الحشد الشعبي من فرض السيطرة على أطراف مدينة "تلعفر" شمال العراق، التي تعد مدينة استراتيجية مهمة كونها تربط الحدود العراقية مع الحدود التركية والحدود السورية، وطبيعة تركيبتها السكانية المكونة من السنة والشيعة والتركمان.
ولم تتوقف الضربات الموجهة ضد داعش، فخلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سيطرت القوات العراقية على مدينة بعشيقة التي تضم حوالي 20% من سكانها من المسيحيين، ليعود حوالي 20 ألف مسيحي عراقي للمدينة بعد طرد جميع العناصر الإرهابية، بالإضافة لخسارة داعش مدينة نمرود الأشورية الواقعة جنوب الموصل، والاقتراب من حدود مدينة البوسيف القريبة من مطار الموصل الدولي، ما ساهم في إلحاق هزيمة كبرى لعناصر داعش سريعاً خلال المرحلة الأولى من المعركة.
خطة تدمير الجسور كانت هي الخطة الأكثر تأثيراً بالمرحلة، ونجحت قوات التحالف الدولي في تدمير 4 جسور رئيسية بالموصل، عقب القصف الجوي المستمر على جسور الحرية، والشهداء، والمثني، والجسر الرابع، لمنع وصول الإمدادات من شرق الموصل وغربها لمجموعة داعش في الجانبين.
وقبل إعلان الحكومة العراقية تحرير شرق الموصل بالكامل في الـ24 من يناير/ كانون الثاني الماضي، استأنفت المعركة في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد فترة التوقف لسوء الأحوال الجوية، لتسيطر القوات على أحياء مهمة على رأسها حي القدس، وحي الانتصار والأحياء الشرقية بالمدينة التي مثلت نقطة تحول في استعادة الجانب الشرقي بالكامل.
6- غربي الموصل.. تكتيك حذر وحصار مستمر
لم يكن الهجوم المباشر بالمرحلة الأولى هو التكتيك المتبع خلال الـ4 أشهر الماضية، حيث صار الحصار وتضييق الخناق على داعش هو عنوان المعركة، بانطلاق معركة غربي الموصل في الـ19 من فبراير/ شباط الماضي بعبارة "الهدف ليس هزيمتهم فقط بل التأكيد على عدم قدرتهم على الفرار".
في بداية الاشتباكات، تم طرد داعش سريعاً من ثلث غربي الموصل من 30 قرية وبلدة خلال الـ3 أسابيع الأولى، أهمها قرى "السحاجي – تل كيصوم- عذبة – لزاكة – الكافور- الجماسة- البجواري – كنيطرة –سيطرة العقرب – العربيد – باخيرة – تل الزلط – أم المصايد – الشريعة الشمالية – عين طلاوي- قري العبرة – خرابة جحيش"، بالإضافة لتحرير مطار الموصل الدولي، وقاعدة الغزلاني، ومحطات كهرباء حمام العليل، وسنجار، وتلعفر، ليقطع طريق إمدادات بين الموصل وتلعفر، وفرض سيطرة على أحياء الصمود، وشقق المأمون، ومبانٍ حكومية مهمة بالمدينة، الفرع الرئيسي للبنك المركزي، والمبنى الحكومي الرئيس، والوقف السني، ودائرة الإحصاء، والمتحف الحضاري، ومحطة قطار الموصل.
واعتمدت الشرطة الاتحادية خطة لتأمين أطراف بغداد، وتفعيل دور المجالس البلدية، ونشر كاميرات مراقبة بالشوارع لتمشيطها من خلايا داعش الإرهابية، بالإضافة لدعم الاستخبارات العسكرية العراقية، بتفعيل الأمن الذكي بعد عمليات تحرير الأحياء والبلدات بغربي الموصل، لاستكمال الهجوم المنظم ضد مراكز تواجد داعش وانتشارهم بالشوارع والأزقة، لتنحسر مساحة سيطرة داعش بالموصل إلى 6% من المناطق.
ومع استمرار تحركات الفرقة التاسعة المدرعة، واللواء الـ73 من الفرقة الـ15، وقوات الرد السريع، نجحت القوات في فتح جبهة لتحرير الجانب الشمالي الغربي بالمدينة، والتقدم نحو البلدة القديمة، وقرية مشيرفه وحي الهرمات خلال الشهر الماضي، لتنتهج القوات خطة الهجوم الحذر وحصار التكتيك.
وفي 18 يونيو/ حزيران الجاري، بدأت عملية الدخول للمدينة القديمة، لتشدد المعركة لضيق الأزقة والشوارع وتحصن الدواعش بآخر حصن بالقرب من جامع النوري والبلدة، لتصبح المناوشات والهروب عبر الجدران سبيلا لعناصر التنظيم، ليواجه بتكتيك حذر وضربات قاصمة من قبل الجيش العراقي والتحالف الدولي، ويتم تحرير أحياء الشفاء والزنجيلي وباب البيض والبعاج والقيروان وحاوي الكنيسة والفاروق قبل المعركة الفاصلة.
ونجحت القوات في شن حرب نفسية ضد بقايا داعش عبر إلقاء آلاف المنشورات على ثكناتهم، ليبدأ داعش بالانحدار تدريجياً ويحرر جامع النوري الكبير وجامع عمر الأسود وكنيسة الساعة وحي الفاروق الثاني خلال 11 يوماً فقط من دخول البلدة القديمة، لتطوى صفحة داعش بالموصل بعد 3 سنوات من الإرهاب والدمار.