من العبث أيضاً، استماتة البعض لإحياء ما أكل الدهر عليه وشرب من كتب الفلاسفة،
في إحدى معاركه أمام داريوس الفارسي، وقف الإسكندر المقدوني بجيشه الأقل عدداً وعتاداً عن جيش خصمه، وقد أيقن بعدم تساوي الكفّتين، فِكره الثاقب، قاده لحيلة يستطيع بها تغيير المعادلة لصالحه، لا بد من تمزيق ذلك الخصم القوي من الداخل، الحل يكمن بتشكيك الجند ببعض، وبضرب قيمهم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والإخلاص، لذلك، اقترب من صفوف الجيش الفارسي، ثم نادى بأعلى صوته بلُغتهم: «من كان ما زال على عهده واتفاقه معنا، فليعتزل الحرب عندما تبدأ، وليثق بأنّ أمواله موجودة»، فارتبكت الصفوف، وكل محارب ينظر لمن بجانبه مرتاباً منه قبل أن يبدأ الاقتتال بينهم لوحدهم، عندما احتد القتل، داخل الجيش نفسه، هجم عليهم الإسكندر وهزمهم هزيمة ساحقة، لم يقوموا بعدها.
بلادنا تتطور بسيرٍ حثيث، والحمد لله تعالى، بِحُسن تخطيط قيادتها الرشيدة، وصلابة برامجها ومبادراتها التنفيذية، ومجهودات خيرة أبنائها وبناتها، أرقام المؤشرات العالمية المحايدة، تتحدث نيابة عنا، للمركز العالي الذي وصلته الإمارات، وفي جنبات بلادنا الغالية، أكثر من 200 جنسية تعيش بيننا في تناغم وتكامل وتسامح.
أعداء الأوطان يعلمون أنهم لا يستطيعون العبث بها، ما دامت لُحمة الوطن متماسكة، ونسيجه المجتمعي متناغماً، وكيانه متكاتفاً، وقيمه الأخلاقية عالية ومحترمة من الجميع، لذلك، يبقى هوسهم وشغلهم الشاغل دوماً، هو في كيفية ضرب ذلك النسيج وتفكيكه من الداخل، ليسهل سقوط الكيان بكامله بمرور الأيام وبازدياد رقعة التفتت، فتكثر وتتنوع محاولاتهم لفعل ذلك، ويدعمهم من حيث لا يشعر، بعض الـمُغرَّر بهم من أشباه المثقفين، ليتجرؤوا على ثوابت المجتمع وأعرافه ومنظومته الخُلُقية، تحت دعاوى التمدن ومسايرة الحياة والحرية الشخصية، والتخلّص من وصاية العقول المتحجرة، وغيرها من الشعارات المعلّبة، التي يرددها البعض، وكأنّ مجرد ترديدها سيجعله يقتحم عالم المستقبل، ويختصر أعواماً طويلة للحضارة.
يعلو صوت أحدهم ليل نهار، منادياً بتحرير الفكر والتمرّد على «الموروث» الجامد، والانفتاح على الآخرين، لكنّ إيّاك إنْ حاولت مناقشته بذلك، لأنك سوف تجد نفسك فجأة في شارع «البلوك» المليء بأمثالك من طالبي النقاش، وسترى آخر لا يتوقف عن الحديث بضرورة أن نفسح المجال للمرأة، لكي تدخل بنا عالم الغد، ولكن تصاب بالحيرة وأنت ترى أن المقصود ليس بأن يكون ذلك من خلال فكرها وقدراتها وجهدها، ولكن من خلال مسابقات الجمال وعرض الأجساد، وكأنها في دار نخاسة حديثة، بينما أهل بيت ذلك الشخص نفسه، يلبسن الحجاب، ويملأ ثالثٌ الفضاءَ الافتراضي ببكائيات لا تنتهي عن ظلم مجتمعاتنا للأنثى، وأنّ من جهل المجتمعات، أنها تربط بين أخلاق المرأة «المواطنة»، وبين أن تلبس ملابس البحر أمام الناس، وعندما تسأله إن كان سيقدّم قدوة لغيره بما يدعو له، بأن يترك زوجته تلبس تلك الملابس، ما دام واثقاً من أخلاقها، يرد عليك بأن زوجته «منقبة»، وينفعل رابع وهو يرى غضب الناس من مقاطع فيديو مسيئة لعادات المجتمع وأخلاقياته، فيقول بأنّ تلك حرية شخصية، ولا بد من تقبلها.
إن بلادنا تتطور بسيرٍ حثيث، والحمد لله تعالى، بِحُسن تخطيط قيادتها الرشيدة، وصلابة برامجها ومبادراتها التنفيذية، ومجهودات خيرة أبنائها وبناتها، أرقام المؤشرات العالمية المحايدة، تتحدث نيابة عنا، للمركز العالي الذي وصلته الإمارات، وفي جنبات بلادنا الغالية، أكثر من 200 جنسية تعيش بيننا في تناغم وتكامل وتسامح، لا يوجد حتى في دول الغرب، وتتسنّم المرأة الإماراتية دوراً كبيراً في مسيرة التنمية، وتتولى حقائب وزارية ومناصب قيادية كثيرة، أثبتت بها كفاءتها، بجانب شقيقها الرجل، لذا، يكون الصوت نشازاً عندما يخرج المتباكون من الموروث الجامد، والمنادون بتحرير المرأة، والمدندنون بتسلّط كابتي الحرّيات، الذين لا نعرف في أي مسلسل تلفزيوني رأوهم، أو أي أضغاث أحلام مرت بهم عليها، فخلطوا الأوراق وأساؤوا للبلد ونهضته ومجتمعه من حيث لا يشعرون.
يقول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأُتمّم مكارم الأخلاق»، فالأخلاق في جينات العرب منذ جاهليتهم الأولى، ولم يأتِ الإسلام إلا لتعزيزها وإكمالها، فمجتمعٌ دون أخلاق، لا أساس يقف عليه، ولا مرجعية يزن سلوكياته وفقاً لها، والمنظومة الخلقية، هي ما يُشكّل ويؤطّر ويُقنّن علاقة الإنسان بأخيه في ذلك الوطن، بما يحفظ حقوق الأشخاص ويحمي الصالح العام من جميع جوانبه، فحرية الفرد الشخصية، لا اعتداد لها إن كانت على حساب استقرار المجتمع، وما يصلح لبلاد الغرب، لسنا مجبرين لقبوله في بلادنا، من أجل مراهقٍ ساذج أو مغرّد يبحث عن زيادة متابعيه، بتقمّص دور الإنسان الكوني المثالي.
من العبث أيضاً، استماتة البعض لإحياء ما أكل الدهر عليه وشرب من كتب الفلاسفة، تخيلوا أن نسابق الدنيا بوضع خطة استيطان المريخ وغزو الفضاء للسنوات المئة المقبلة، وبيننا من يريد أن يقنعنا أننا متخلفون، ولا بد أن نقرأ كتب المفكرين الثائرين على الكنيسة في القرن السادس عشر، وأن نترك كُتُبَ آخر ما توصل له العلم، لندعم مسار دولتنا ومشروعها الطموح، ونقضيها بدلاً من ذلك في قراءة كتب المشعوذين والدراويش وأشعار الطُرُقية، نملك ديناً سمحاً، داعياً للعلم، باعثاً للطمأنينة، ولدينا حاضرٌ راسخ من المدنية، تَعِبت عليه أعواماً طويلة، حكومة طموحة ذات رؤية عظيمة، تراهن على غدٍ أجمل، فما الذي يدعونا لكتب العصور «الأوروبية» المظلمة البائدة، أي منطق يُحرّك أولئك؟، بل حتى فلسفتهم هي ظلمات أخرى، لا تزيد المرء إلا ظُلمة على ما يحمل، فها هو مفكرهم العظيم جان جاك روسو، بعد أن قضى شطراً من عمره بحثاً عن طمأنينة الروح بين كتب الفلاسفة ومجالسهم، يقول: «الثمرة الأولى التي اقتطفتها من التأملات، هي أنني أدركتُ بُعْد الفلاسفة عن إنقاذي من شكوكي غير المجدية، وأنّهم لم يصنعوا غير زيادة الرِيَب التي تزعجني، من غير أن يحلّوا ولا واحدة منها»!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة