استراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة كانت تنطلق من أن الاتفاق يسهم في حسم الصراع داخل أجنحة النظام الإيراني
بين الترحيب بتوقيع خطة العمل المشتركة الشاملة، المسماة بالاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة "5+1" عام 2015، والترحيب بانسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق منذ أيام، لم تتغير ثوابت دولة الامارات ولا مبادئها حيال المسألة النووية الإيرانية.
يدرك الباحثون والمراقبون والمهتمون بالشأن الخليجي أن دولة الامارات، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي العربي، تمتلك هواجس مشروعة وبواعث مبررة للقلق من الفوضى التي ينشرها النظام الإيراني في دول الجوار، كما يدرك الجميع أن امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية قابلة "للعسكرة" في لحظة ما وبقرار سياسي ما، مسألة مرفوضة من جانب دولة الامارات، بالنظر إلى الأخطار الناجمة عن انتشار الأسلحة النووية في منطقة الخليج العربي، علاوة على أن المنشآت النووية الإيرانية التي تزعم إيران أنها "مدنية" الأهداف لا تمتلك عناصر الأمان النووي اللازمة، لاسيما أنها تعتمد على تكنولوجيا متقادمة ومن الوارد أن تنشأ عنها أخطار نووية مدمرة، ما لم يتم تطبيق معايير الأمن والسلامة النووية المعمول بها دولياً.
بمرور الوقت تأكد الجميع من صحة وجهة نظر الإمارات، وغيرها من الدول الشقيقة القائلة بأن الاتفاق يعالج الأعراض ولا يتصدى للإشكاليات الحقيقية، وهو ما استغلته إيران في التوسع والتمدد وكانت هناك حاجة حقيقة لوقفة جادة حيالها، الأمر الذي لم يكن ليتحقق في ظل إدارة الرئيس أوباما.
يدرك الجميع أيضاً أن الترحيب بالتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، كان على أساس أن هذا الاتفاق يمكن أن يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي، وفتح صفحة جديدة في علاقات إيران الإقليمية، ولكن ما حدث منذ توقيع هذا الاتفاق معاكس ومغاير تماماً للمقاصد والأهداف التي دفعت باتجاهه!
استراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة كانت تنطلق من أن الاتفاق يسهم في حسم الصراع داخل أجنحة النظام الإيراني لمصلحة تيار يقبل الانفتاح على الغرب، ولكن الحقيقة أن النظام الإيراني يتعامل في ملفات مثل الموضوع النووي باعتباره أداة للتوسع والسيطرة والهيمنة، فضلاً عن أن هذا الملف تحديداً ليس بيد الساسة الذين يتصدرون المشهد السياسي الإيراني، بل تسيطر عليه قيادات عسكرية تابعة للحرس الثوري، وهؤلاء هم أصحاب القول الفصل في رسم سياسات إيران الخارجية، وبالتالي فلم يعبأوا بما يقضي به الاتفاق، بل استخدموه ووظفوه كغطاء للتوسع وتنفيذ مخططات التآمر ونشر المزيد من الوكلاء الإقليميين، لذا لم يكن مفاجئاً أن يتباهى قادة الحرس الثوري باحتلال أربعة عواصم عربية في شهر أبريل 2015، الذي وقع فيه الاتفاق النووي!
الاتفاق لم يحقق إذن الهدف المقصود منه، ليس فقط لاختلالات في بنوده وتكامل عناصره، ولكن أيضاً لسوء نوايا النظام الإيراني، الذي لا يريد الامتثال للشرعية الدولية، ويستغل أي اتفاقات من أجل تحقيق أهدافه، وليس من أجل الانخراط ضمن الأسرة الدولية والعمل إيجابياً على نشر الأمن والاستقرار الإقليمي.
اللافت أن الدول المؤيدة للاتفاق الآن بعد الانسحاب الأمريكي تعترف بأنه يعاني الثغرات والعيوب، ولكنها تتمسك به لمجرد أنه ورقة تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة؟! هل هذا السبب كاف للإبقاء على اتفاق يشجع نظاماً على تقويض الأمن والاستقرار الإقليمي؟!
بمرور الوقت تأكد الجميع من صحة وجهة نظر الإمارات وغيرها من الدول الشقيقة القائلة بأن الاتفاق يعالج الأعراض ولا يتصدى للإشكاليات الحقيقية، وهو ما استغلته إيران في التوسع والتمدد، وكانت هناك حاجة حقيقة لوقفة جادة حيالها، الأمر الذي لم يكن ليتحقق في ظل إدارة الرئيس أوباما لأن أي تشكيك من جانبها في الاتفاق كان يعني إعلان فشل للاتفاق، وهذا أمر غير منطقي للإدارة نفسها.
ألمانيا تقر بأن الاتفاق النووي أسهم في إبطاء الأنشطة النووية الإيرانية، وتؤكد أنه غير كاف لكبح جماح طموحات إيران النووية واحتوائها، وبقية دول الاتحاد الأوروبي تمتلك الرؤية ذاتها، ولكنها تنظر بقلق حيال مصالحها الاقتصادية والصفقات التي عرضتها طهران، وهذا أمر واضح، ولكن في المقابل نتصور أن الإبقاء على اتفاق لا يحقق الهدف منه بمنزلة هدر للوقت والجهد، وأن من الصواب البحث عن آليات أفضل لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
عندما رحبت الإمارات والأشقاء في السعودية والبحرين، بانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، لم يكن هذا الموقف مجاملة تقليدية للحليف الاستراتيجي الأمريكي، بل دعم قوي وصريح ومباشر لتوجه يسعى إلى معالجة الأسباب الحقيقية للفوضى والاضطرابات في المنطقة العربية، فلم يكن من المنطقي أن تُطلق يد إيران لنشر الفوضى والاضطرابات في ظل اتفاق قدم لها مزايا عديدة من دون أن يحقق الهدف المرجو، بل روح الاتفاق التي تقضي بالالتزام بالمبادئ والقوانين الدولية ومراعاة سيادة الدول الأخرى، لم تتحقق مطلقاً، وما حدث هو العكس.
في العلاقات الدولية، المواقف تتغير وتتبدل وفق المعطيات والمصالح الاستراتيجية للدول والشعوب، ولكن الثوابت والمبادئ لا تتغير، وهذه هي القاعدة الحاكمة لمواقف دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة، سواء حيال إيران أم غيرها من دول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة