العاصفة النارية في هاواي.. الأسباب والتداعيات؟
تؤدي أزمة تغير المناخ، إلى زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك حرائق الغابات مثل تلك التي تتصارع معها هاواي.
في هذا الصيف من العام الجاري، أعاد الوضع في هاواي إلى الأذهان مشاهد الدمار في أماكن أخرى من العالم، حيث أدت حرائق الغابات الناجمة عن العواصف النارية وارتفاع درجات حرارة إلى إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص في اليونان وإسبانيا والبرتغال وأجزاء أخرى من أوروبا.
ما هي العاصفة النارية؟
تُعرّف العاصفة النارية على أنها حريق هائل يحدث عندما تكون النيران شديدة لدرجة أنها تخلق وتحافظ على نظام الرياح الخاص بها. كما تخلق حرارة النار تيارًا صاعدًا قويًا يسحب فيه الهواء المجاور بقوة، مما يخلق رياحًا شديدة تهب باتجاه مركز النار.
من المرجح أن تحدث العاصفة النارية بشكل خاص عندما تكون هناك رياح شديدة تغذيها، أو أن الطبقة العاكسة لدرجة الحرارة تخترق بالهواء الساخن من النار. من المحتمل أن تؤدي ردود الفعل بين العاصفة النارية والظروف الجوية السطحية إلى سلوك حريق غير متوقع وخطير. فقد يظن المرء أن الرياح التي تتجه نحو مركز النار تمنعها من الانتشار إلى الخارج، لكن هذا ليس هو الحال. الاضطرابات الشديدة التي تحدث حول مقدمة اللهب تجعل من الممكن انتشار الحريق. في كثير من الأحيان، تتشكل الأعاصير النارية، المعروفة باسم دوامات اللهب، في الاضطرابات الفوضوية، وتندفع بشكل متقطع وتشتعل في كل شيء في طريقها.
البعد المناخي لعاصفة النار
غالبًا ما تثير موجات الحر الطويلة أثناء الجفاف مخاوف من حرائق الغابات؛ حيث إن الحر والجفاف يزيدا من حدة الرطوبة ومن ثمَّ حدة وقود الحرائق، الذي يتمثل في "العشب والأوراق والعصي والشجيرات والجذوع والأشجار" والذي يُعُّد أحد أهم العوامل لحرائق الغابات الشديدة.
جدير بالذكر أن العشب الأكثر جفافًا لا يحترق بسرعة وبكثافة أكبر فحسب، بل إنه أكثر عرضة للانتشار الواسع، والذي يمكن أن يؤدي إلى نشوب حريق سريعًا عبر الطبيعة بكافة أشكالها.
يمكن أن تؤدي الإصابة بالحرائق العميقة المرتبطة بتطور العواصف النارية إلى إحداث تغييرات كبيرة في انتشار حرائق الغابات، مما يتسبب في آثار اجتماعية واقتصادية وبيئية شديدة، بل وقد يشكل تهديدًا على حياة الإنسان؛ حيث تتفاعل النار مع البيئة المحيطة بمقاييس زمنية ومكانية مختلفة. على نطاق واسع، لا يؤدي تغير المناخ إلى زيادة مخاطر الحريق فقط من خلال زيادة درجات الحرارة، بل يزيد أيضًا من احتمال حدوث أعاصير أقوى. في المقابل، يمكن لهذه العواصف أن تغذي رياح أقوى مثل تلك التي خلفت حرائق هاواي.
حرائق هاواي
بدأت حرائق الغابات بسرعة في الولاية الأمريكية "هاواي" يوم الثلاثاء الموافق 8 أغسطس 2023، وغذتها رياح الإعصار دورا، التي تسببت في خسائر فادحة في البشر والممتلكات، مما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص وتدمير غرب جزيرة ماوي -إحدى أكثر الوجهات السياحية في أمريكا- ودفعت الكثيرين إلى إخلاء منازلهم. وهذا يجعل حرائق الغابات المدمرة أخطر كارثة طبيعية تضرب هاواي؛ حيث لم تقف الحرائق عند ذلك الحد، بل تمددت إلى أن وصلت إلى الجانب الغربي من الجزيرة في لاهاينا -وهي مقصد سياحي شهير- فضلًا عن أنه من المتوقع أيضًا أن تكون آثارها على المناظر الطبيعية والبيئة في هاواي كبيرة.
اللافت أن فشل نظام الإنذار المبكر في الولاية وانقطاع التيار الكهربائي، كانوا من العوامل الرئيسة التي أدت إلى تقييد تحديثات المعلومات للسكان المقيمين الذين قاموا بالإخلاء فقط عندما رأوا ألسنة اللهب والدخان.
وفي هذا الصدّد، أشارت وكالة وكالة أسوشييتد برس، إلى أنه بسبب هبوب الرياح الشديدة من إعصار دورا، لم يتم السماح للطائرات المروحية بالإقلاع ولم تكن قادرة على إطفاء الحرائق من السماء.
ما الذي تسبب في حرائق الغابات في هاواي؟
لا يزال السبب الدقيق لحريق ماوي -إلى جانب الحرائق في أجزاء من جزيرة هاواي الكبيرة- غير معروف؛ ومع ذلك، فإن إعلان الطوارئ أدرج في البداية أن السبب في الحرائق يعود إلى 'الظروف الجوية الجافة جدًا والرياح الشرقية القوية والتي من المحتمل أن تكون أكثر ضررًا بسبب مرور إعصار دورا إلى جنوب الولاية'، الذي تم تصنيفه من قبل مركز أعاصير المحيط الهادئ أنه من الفئة الرابعة، وهو ثاني أعلى مستوى على مقياس التحذير المكون من 5 مستويات.
وبناءً عليه، فقد أدت الرياح القوية على الجزيرة نتيجة تأثير إعصار دورا الذي يتحرك لمسافة تزيد عن 1.000 كيلومتر جنوب جزر هاواي، إلى اشتعال أولى الحرائق بشدة وانتشارها بسرعة غير معتادة، مما جعل الأفراد غير قادرين على الاستجابة.
في هذا السياق أيضًا، تباينت التفسيرات حول سبب حرائق الغابات والتي تتمثل أهمها فيما يلي:
- أشار "روبرت بوهلين"، عالم الأرصاد الجوية في مكتب خدمة الطقس الوطنية (NWS) في هونولولو، إلى أن الحرائق من المحتمل أن تكون نتاج التقاء الرياح القوية والنباتات الجافة وانخفاض الرطوبة. فقد كانت ظروف الجفاف موجودة في أجزاء عديدة من جزر الولاية، ولا سيما ماوي. وأضاف: 'هذا هو الوقت من العام الذي نبدأ فيه بالجفاف'، مما يجعل الحشائش والنباتات الأخرى أكثر عرضة للاشتعال.
- وعلى نفس المنوال، أكد مسؤولو ماوي عبر بيان صادر في 8 أغسطس، أن 'الرياح غير المنتظمة، والتضاريس الصعبة، والمنحدرات الشديدة والرطوبة" تمثل جميعها تحديات عند محاولة التنبؤ بمسار حريق الغابات وسرعته.
كما أوضح "كلاي تراورنيشت"، عالم الحرائق بجامعة هاواي، إن موسم الأمطار يمكن أن يحفز نباتات مثل عشب غينيا، -وهو نوع غازي موجود في أجزاء من ماوي- على النمو بسرعة تصل إلى 6 بوصات (15 سم) في اليوم ويصل إلى 10 أقدام (3) أمتار طويلة. يخلق هذا العشب صندوقًا بارودًا جاهزًا للحرائق في الهشيم أثناء جفافه.
نظرة على بعض تلك التأثيرات المحتملة:
وفقًا لتقديرات بعض الخبراء، من المرجح أن تُسهم الحرائق في تغيير المعالم الطبيعية بطرق غير مرغوب فيها، بما في ذلك تسريع التعرية، وارتفاع الرواسب إلى المجاري المائية، وتدهور الشعاب المرجانية التي تعتبر بالغة الأهمية للجزر والحياة البحرية والبشر الذين يعيشون بالقرب منها.
وعلى صعيد مُغاير، أفاد مكتب خدمة الغابات الأمريكية، بأن البشر هم المسؤولون عما يقرب من 85٪ من حرائق الغابات في البلاد، كما أشاروا إلى وجود نحو ستة براكين نشطة، يقع أحدها في جزيرة ماوي، والتي يمكن أن تكون أيضًا سببًا طبيعيًا لحرائق الغابات.
- تدهور الشعاب المرجان
ضربت حرائق الغابات هاواي في الوقت الذي نشر فيه "جاميسون جوف" عالم المحيطات في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، بحثًا في مجلة Nature عن الشعاب المرجانية في هاواي وهي تتعافى من موجة الحرارة البحرية عام 2015. سلط هذا العمل الضوء على التهديد الذي يتعرض له الشعاب المرجانية من الملوثات الأرضية التي تتسرب إلى المحيط. وأضاف "جوف": أن الشعاب المرجانية توفر الحماية الساحلية، وتوفر مصايد الأسماك، وتدعم الممارسات الثقافية في هاواي'. ومن ثمَّ فقدان الشعاب المرجانية له عواقب ضارة على النظام البيئي.
- تلوث مياه الشرب
قد تكون مياه الشرب النظيفة أحد ضحايا الحريق؛ حيث أشار من جانبه "أندرو ويلتون"، أستاذ الهندسة المدنية والهندسة البيئية والإيكولوجية في جامعة بوردو، إلى إن حرائق الغابات يمكن أن تلوث الآبار الخاصة وأنظمة المياه وحتى أنظمة المياه البلدية. وبالتالي من الممكن أن يؤدي انخفاض الضغط إلى تراكم المياه الملوثة، وامتصاص الدخان والسخام والرماد والأبخرة التي تخترق البلاستيك والمواد الأخرى لخلق مشكلة مستقبلية.
- ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية والمادية
تسببت العواصف النارية التي أججتها الرياح في اشتعال العديد من المباني والتي وصلت إلى 271 مبنى وانقطاع التيار الكهربائي في عدة مجتمعات، فضلً عن ارتفاع عدد الضحايا إلى 80 فرد. ومن ثمَّ فإن حرائق هاوي تُعُّد أخطر كارثة طبيعية تشهدها الولاية منذ عقود، متجاوزة تسونامي عام 1960 الذي أودى بحياة 61 شخصًا. وأفاد عدد من الناجين من الحرائق بإنهم لم يسمعوا أي صفارات أو يتلقوا تحذيرًا يمنحهم الوقت الكافي للاستعداد، مدركين أنهم في خطر فقط عندما رأوا ألسنة اللهب وسمعوا صوت انفجارات في المحيط القريب منهم.
- اليونان تمنح زوارها الفارين من حرائق الغابات عطلات سياحة مجانية
- جريمة مناخية.. انهيار الغابات لأعلى مستوياته خلال العقدين الأخيرين
متى يتوقع أن تنتهي حرائق الغابات في هاواي؟
ساهم إعصار دورا، وهو عاصفة من الفئة الرابعة على بعد حوالي 500 ميل جنوب هاواي، في الرياح المدمرة فوق ماوي، وفقًا لخدمة الأرصاد الجوية الوطنية. في حين أنه من الصعب التنبؤ بموعد انتهاء الحريق بالضبط، أفاد خبراء الأرصاد بإن 'سرعة الرياح ستستمر في الاتجاه الهبوطي' مع تحرك الإعصار بعيدًا عن الجزيرة.في غضون ذلك، يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة الحرائق.
الاستجابة الأمريكية لتلك الكارثة
أعلن الرئيس الأميركي "جو بايدن" أن حرائق الغابات في جزيرة ماوي بولاية هاواي "كارثة كبرى"، وأمر بتقديم مساعدات لدعم جهود التعافي في الولاية والمناطق المتضررة من الحرائق.
aXA6IDE4LjIxNy4xNjEuMjcg جزيرة ام اند امز