أفقدت الحرب إنسانية اليمنيين تجاه مجتمعهم، فلم يعودوا يكترثون بواقع الحال المتردي وظروف الإخوة الصعبة
لم تعد متغيرات واقع الساحة اليمنية اليوم خفية عن القراءة الشاذة لمستجدات وأحداث متسارعة، وواقع بات يشهد دراماتيكة التحالفات المتغيرة، وبراجماتية توجهات المتحالفين ذاتهم في مشهد تداخلت فيه البيانات السياسية والعسكرية وحتى الإنسانية، التي أفقدت المجتمع حالات الرضا البكر الذي لم تكن تغيب عنه في أحلك الظروف الصعبة.
أفقدت الحرب إنسانية اليمنيين تجاه مجتمعهم، فلم يعودوا يكترثون بواقع الحال المتردي وظروف الإخوة الصعبة، وأحوال المُجتمع الذي تمزقت أواصر نسيجه جراء تجريف متعمد وممنهج لكل قيم المجتمع، من خلال إذكاء طائفيات الدين والجغرافيا والمجتمع، وتدمير أخلاقيات القبيلة اليمنية التي كانت تملأ الدنيا شموخاً ونبلاً ومروءة، أو كما قالوا.
باتت الرؤية سوداوية فيما أتناوله لكنها جزء من الحقيقة، والشاهد: هو إصرار مليشيا الحوثي الانقلابية على استمرار توجهها نحو التجنيد العقائدي والطائفي في مناطق النفوذ التاريخية، ومناطق ما تسمى المركز المقدس الذي حكمه الأئمة لأكثر من ألف عام، ونثرت عبره فاسدها وإفساده في تاريخ وجغرافيا اليمن، أصبحت وكأنها الحرب المقدسة التي تحرق ما تبقى من الأخضر وكل اليابس.
تجنيد الأطفال للقتال هو الطريق المُختصر للزج بهم في محارق الحرب العبثية، التي حرصت مليشيا الحوثي الإبقاء على الاحتياطي من الكتائب المليشياوية المجهزة لهم من الذين تم تدريبهم في إيران كقوة احتياطية، لا يتم المساس بها إلا في المواجهات المصيرية على الجبهات الاستراتيجية
والأمر الجدير بالإشارة والتركيز هو سعي مليشيا الحوثي الحثيث إلى تجنيد الأطفال، بما له من دلالات وسعي نحو الاستماتة لإطالة أمد الحرب وحرق الأنصار وإشراكهم في حال الثأر تجاه باقي اليمنيين على الطرف الآخر، وذلك لا يعدو كونه استراتيجية تطيل من عملية بقائها في المشهد، والقضاء على أي مساع للتهدئة أو بناء الثقة، عبر عمليات غدر بالخصوم وخيانة وإقصاء للحلفاء، وتصفية الرئيس السابق صالح أكبر دليل، وهي بذلك غير عابئة بخطورة ذلك في تفخيخ المستقبل وتخريج أجيال من القتلة العقائدين، أو على أقل تقدير من المشوهين المعاقين العاجزين والجهلة.
وبالإشارة إلى تحذيرات المنظمات الدولية الحقوقية في مناسبات عديدة على جريمة تجنيد الأطفال في اليمن، واتهامها لمليشيا الحوثي بالقيام بذلك دون إعطاء أي اعتبار للمواثيق الدولية التي تجرم عملية تجنيد الأطفال والزج بهم في الحروب، إلا أن جماعة الحوثي تتجاوز ذلك عبر تأهيل جيل من الجُهلاء بأن موتهم ودمار حياتهم وأمتهم ما هو إلا الطريق لتحرير القُدس، وفكرة هزلية بأن ذلك السبيل لهزيمة إسرائيل وأمريكا، وذلك في الحقيقة لا يعدو سوى كوميديا سوداء دموية.
وتشير التقارير الأممية إلى أن عدد الأطفال المجندين في اليمن زاد بنحو 5 أضعاف مقارنة بعام 2014، ففي عام 2016 قالت تقارير حقوقية يمنية إن مليشيا الحوثي جندت ما يُقارب 10 آلاف طفل، في سابقة خطيرة تهدد الطفولة في اليمن، كما تنتهك كافة المواثيق والأعراف الدولية.
والخطورة الظاهرة والجلية في تجنيد الأطفال هو نية مليشيا الحوثي الاستمرار في القتال دون توقف، لأن ذلك لا يترتب عليه أعباء والتزامات مالية كبيرة أو تجهيزات لوجستية، فضلًا عن استغلال الأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية وحصول أهالي وأسر الأطفال على المال مقابل تجنيد أبنائها.
تجنيد الأطفال للقتال هو الطريق المُختصر للزج بهم في محارق الحرب العبثية، التي حرصت مليشيا الحوثي الإبقاء على الاحتياطي من الكتائب المليشياوية المجهزة لهم، من الذين تم تدريبهم في إيران، كقوة احتياطية لا يتم المساس بها إلا في المواجهات المصيرية على الجبهات الاستراتيجية.
الشاهد أن مليشيا الحوثي تدرك أنها إلى الفناء وتلعب بآخر أوراقها، ولا مجال لبقاء ورم شاذ في جسد الأمة اليمنية، لكن متى وكيف وما استراتيجيات ذلك؟ وما الكلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية؟ هذا ما ستبوح به سنوات اليمن المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة